بعد ايام ستمر الذكرى السادسة لمذبحة اللاجئين السودانيين الذين اعتصموا فى ميدان مصطفى محمود احتجاجا على ممارسات المفوضية العليا لشئون اللاجئين , وتواطئها مع النظام المصرى السابق فى هضم مركزهم القانونى وحقوقهم التى اقرها التنظيم الدولى لحماية اللاجئين , وكافة المواثيق الدولية
كان الزمان عشية العيد, حزم عام 2005 حقائبه واستعد للرحيل, والبرد القارس فى ليلة 31 ديسمبر جعل معتصمى ميدان البؤساء فى متتصف القاهرة يتلفحون اجساد بعضهم , بعد ان افترشوا الارض وبعض الملاءات
فى العاشرة من مساء هذا اليوم كنت داخل امنزلى بالقاهرة , ولكنى كنت اشعر ان البرد يخترق عظامى, طرق بابى بعض جيرانى المصريين , وقدموا لى سبعة بطانيات وكانت بينها واحدة مستعملة, طلبوا منى ايصالها نيابة عنهم الى ألمعتصمين لقد اثر بى كثيرا هذا الموقف النبيل فبعض المصريين طيبون جدا وينطون على كثير من النبل ,استلمت البطانيات , وقررت ان اذهب الى الميدان فورا لتقديمها لهم , فى الطريق هاتفنى ناشط من الجمعية المصرية الامريكية , ان الشرطة قررت (تنظيف )الميدان فى اى لحظة خلال هذه الليلة, وطلب منى الا اذهب الى هناك
هونت عليه الامر وطمئنته فقد تسربت مثل هذه الاخبار خلال الايام التى تلت مفاوضات المعتصمين مع وزارة الخارجية والامن المصرى بحضور الناشط الحقوقى المعروف ميلاد حنا , لكنه شدد على صحة مايحمل من معلومات
( ستحدث مجزرة, الامن قالى ان عندهم تفويض من القيادة السياسية اوعى تروح هناك الليلة)
(انا شايل بطانيات ولازم اوديها , تقصد مين بالقيادة السياسية ؟ ) هو لم يجبنى بشكل واضح ولكنى توجست شرا كبيرا
كنت قبلها بفتره قد اجريت حوارا مع العقيد محمد صلاح, وكان وقتها مسؤول السودانيين فى مباحث امن الدولة,
والتقرير على هذا الرابط قررت ان اتصل عليه لاستوضح الامر, اخبرنى ان الوضع كله بيد الامن المركزى الان وانه لا يعرف اى شىء عما حدثته به!
وصلت الى الميدان , الجنود الذين كانوا يحيطون بالميدان احاطو بى ايضا , وبدأوا بنكش البطانيات, وقالو لى ان من المستحيل السماح لى بالدخول الى هناك الان., وان الميدان يجب ان يتم تفريغه ( احنا بنصلى العيد هنا يزووول )
كانت المسافة بينى وسور الحديقة حوالى ستة امتار, وكنت فى كل مرة اقوم بحركة تجعلنى اقترب من السور اكثر, وعندما اقتربت بشكل مناسب قمت بشكل مفاجىء بالقاء بطانيتين الى داخل السور ,التفت العساكر فى فزع, وعندما لاحظوا انه لايوجد احد من الضباط, طلبوا منى القاء بقية البطانيات بسرعة , على ان اغادر بنفس السرعةكانت قناعتى وكثير من المتابعين فى هذا الوقت ان المفوضية، تعامل اللاجئين كعبء لابد من التخلص منه. يبدو أنها كانت، بغلقها لملفات اللاجئين السودانيين، تكافئ الأطراف المتصارعة في السودان على امتثالهم للراعي الأمريكي الذي أمر بإنهاء الحرب، ولكنه لم يأمر بإنهاء اضطهاد فقراء الجنوب والغرب والشرق، أو بإنهاء الذل والاستعباد والقمع!!
صورت المفوضية، ومعها النظام المصري المتواطئ، اللاجئين السودانيين على أنهم خارجين على القانون يتحايلون ليحصلوا على بضعة دولارات من الأمم المتحدة. تلك النظرة العنصرية الحقيرة كان هدفها ببساطة تأليب الرأي العام ضد اللاجئين
بعدها انتشرت الشائعات عن ممارسات اللاجئين داخل الميدان, قيل انهم يشربون الخمور علنا, يمارسون الجنس علنا, قيل انهم يشوهون وجه المدينة بأشكالهم السوداء, وانهم ينشرون الايدز ايضا!!! فى مصر
المذبحة التى حصلت هى بكل المقاييس جريمة ضد الانسانية, جريمة تمت مع سبق الاصرار والترصد, جريمة بدأت يوم ردد اعلام النظام المصرى مقولات حول السودانيين فى مصر( انهم يسرقون وظائف المصريين) ( لماذا لايتم ردع الزناجوة دول )( يجب طردهم)
جريمة بدأت يوم سمحت المفوضية بتعيين كل طاقم المفوضية بالقاهرة من ضباط المخابرات المصرية, يوم قررت الحكومة المصرية ان تستقبل لاجىء العالم لتستولى على مخصصاتهم التى يلتزم بها المجتمع الدولى دون ان تكلف نفسها بانشاء هيئة وطنية تخطط لامورهم , ربما كان الاكثر اخلاقية ان ترفض مصر استقبال اللاجئين , حتى لا تصبح مضطرة لقتلهم
بدأ الهجوم على الحديقة وفجر الليلة المشئوم يستذن اطراف المدينة فى الدخول, وبدأت زخات المياة الباردة المنهمرة من خراطيم الاطفاء كانت تغرق المعتصمين فى ذلك الصباح الشاتى, بعض المسنين توفى فور ان بدأ الهجوم نتيجة الصدمة , لم يحدث هرج كبير بين المعتصمين, فقد كان الاتفاق بينهم ان يموت البعض فى هذا الهجوم على ان يستكمل من سينجو المفاوضات على اساس ماسينتج عن المذبحة, فى الدور الثانى من الهجوم المركز زادت قوة القصف بالماء البارد, ايقن اللاجئون بالموت حينها فهرع الجميع للصلاة , كانت خراطيم الماء تغرق المصلين , المسيحيون كانوا يرددون صلواتهم واهازيجهم الدينية, وكانت اصواتهم تعلو شيئا فشيئا هلللويا هللويا
توقف سيل المياه, وبدا هجوم الامن المركزى بتشكيلات بدأت وكانها تخوض حربا , اربعة الاف عسكرى, كانوا يضربون الارض بارجلهم وهم يطلقون صيحات متوحشة قبل ان ينطلقوا لحصد ارواح السودانيين , لقد اظهر هئولا الجنود شجاعة كبيرة امام اللاجئين العزل كما عبر عن ذلك احد الكتاب الكبار فى مصر, كان العسكريون المصريين يضربون اللاجئين بشكل غريب, لم يفرقوا بين شيخ او طفل او امرأة, حتى الذين جعلوا من اجسادهم حواجزا لحماية الاطفال كانو يستمرون بضربهم حتى بعد مفارقة الحياة
عدد الضحايا فى تقديرى الخاص بما فى ذلك الذين ماتوا لاحقا لا يقل عن المائتى مغدور, يشمل ذلك الذين كانوا فى مشرحة زينهم والقصر العينى وبعض المستشفيات الأخرى سيما وقد حرصت القوات المصرية على تفريقهم فى مستشفيات ومعتقلات
تبعد عن بعضها كثيرا , ولا يوجد احصاء دقيق عن عدد المفقودين
تبعد عن بعضها كثيرا , ولا يوجد احصاء دقيق عن عدد المفقودين
شخصيا احمل المسؤلية لكل من :-
· محمد حسنى مبارك الرئيس المخلوع
· حبيب العادلى وزير داخليته الجزار الحرامى
· اللواء الشعراوى قائد الامن المركز
· اللواء طارق عبد الرازق قائد الهجوم المباشر على اللاجئي
· اللواء ابراهيم يوسف وزير الداخلية الحالى والمهندس الحقيقى لعمليات القتل التى تمت فى الميدان
ادعو الى تقديم هذه الاسماء الى محكمة الجزاء الدولية لتحاكم بتهمة ارتكاب جرائم ضد الانسانية, كما ادعو اسر الضحايا والمصابين الى اختصامهم عبر الانضمام مع قضايا الشعب المصرى التى يحاكمون بسببها الان , او اختصامهم قانونيا بشكل مستقل
لا اريد ان اتحدث عن حكومتنا السودانية , سيكون حديثا بلا فائدة فى هذا المقام ,ولكنى اتمنى ان افهم يوما كيف ان هذه الحكومة كانت قد ابدت ( تفهمها )لدوافع النظام المصرى فى ارتكاب هذه المجزرة ؟ سيما وان هناك 18 اتفاقية امنية كانت موقعة بين الطرفين كما وجدنا بعض المصادر
No comments:
Post a Comment