Saturday, October 23, 2010

الموزه

اللوحة التي تصدرت قاعة العرض في (معهد جوته )بدت كما لو أنها موزه كبيرة، تشارك في أكلها رجل متخم وطفل وفأر
وصديقي محمود الذي صافحني بسرعة كان منشغلا بشرح الأبعاد الرهيبة لهذه اللوحة لمجموعة من الصحفيين وكبار مثقفي البلد، وكنت محتارا في معناها، عاجزا عن فهم اى كلمة من كل الهراء الذي يردده
الحقيقة اننى لم أكن أخفى ارائى حول الفن عن صديقي اللدود محمود السيريالى ، المهموم بنقل التجربة الغربية بحذافيرها، وكنت أرى أن علي الفن الحقيقي أن يقيم علاقة نافية لاغتراب التلقي العتيد في وجدان الإنسان العادي
(لايهمنى المتلقي ، أحب إن اعبر عن ذاتي، من قال أن الفن للجميع، الفن للنخبة ، هل أنت شيوعي أهبل ؟)
ومثل هذه الحوارات كانت متصلة بيننا، وكأنها بدأت منذ بدء الخليقة، فقد نشأنا في نفس الحارة ،وارتدنا نفس المدارس ودخلت أنا إلى الجامعة بينما ذهب هو إلى روما ليتخصص في النحت، وكان مشروعه للتخرج شيئ يشبه الخراء لكنه موضوع في طبق من الخزف الصيني! ولعجبي فقد كان الأول على دفعته !
في لحظة من اللحظات التي امتلأ فيها المعرض بالحضور والخواجات والأثرياء ، بدا صديقي محمود سعيدا خصوصا وقد حجزت اغلب اللوحات ، في هذه اللحظة فوجئت بصديقي يمسك بيدي هامسا:-
تعال ,هناك جماعة يتحدثون الانجليزية وأريدك أن ترافقني لاستقبالهم
وظننت أن الأمر لن يتعدى ترجمة سريعة لعبارات المجاملة، ولكنى وجدت نفسي فجأة مضطرا لشرح اللوحات بعد أن قدمني لهم محمود بأعتبارى تطوعت لهذه المهمة بسبب ضعفه في الانجليزية
وكان على بالطبع أن آخذهم تلقاء درة المعرض الرهيبة لوحة ألموزه المأكولة أو ماتبقى منها
قال الرجل الانجليزي:- رائع اعتقد أن الفنان قد حقق تجاوزا كبيرا برسمه لهذا العضو!
ويبدو انه أحس بتسرعه فالتفت إلى متسائلا :-أليس هذا عضوا؟
شعرت ببعض الارتباك سيما والفتاة الجميلة وامرأة أخرى كانتا تتابعانني باهتمام
لماذا لانسمع من محمود، الحقيقة إن تأثره بالمدرسة الايطالية هو ما اثارنى دائما في رسوماته العبقرية، ثم ذهبت فأطبقت على يديه وأحضرته أمام اللوحة مجرورا
(ماذا هناك؟)
- يريدون أن يعرفوا معنى لهذا ( الهباب)
ولماذا تظن اننى تركتك معهم، تصرف وقل شيئا يبدو ...آآآآ مثقفا، ثم ابتسم في غباء وانصرف بينما صوته يكرر اعتذاره
- يقول فنانا أن هذه اللوحة هي تعبير عن القلق الانسانى المغترب عن الإطار والحيز، فراس الموزة هنا يعطى انطباعا بجدلية انفصال الذات عن اناها ، بينما الجزء المأكول هو التشظى الذي ينتاب هذه الأنا عن محيطها ومكوناتها
قالت الخواجية الجميلة فجأة:-
مدهش ، أنها نفس القراءة التي استقرت في عقلي ، لاشك انك هاو كبير أو لعلك جامع، يسرني أن ادعوك لزيارتنا في متحفي المتواضع في لندن، و أتمنى أن يوافق مستر محمود على عرض لوحته المدهشة هذه هناك ، واعدك بأني سأحصل له على آلاف الجنيهات ثمنا لها!
قلت وأنا أغالب ابتسامة لم استطع تحديد ما إذا كانت ابتسامة صفراء أم ساخرة أم متألمة
- أؤكد لك ياسيدتى انه لن يمانع في ذلك أبدا