قال بنجامين والتر مرة وهو مفكر المانى متحدثا عن الثورة إنها ( وثبة نمر إلى الماضي تحشد ذكريات معاناة الماضي وقهره ضد الطبقة الحاكمة) والمقصود هنا هو أن الثورات ليست نتيجة متوقعة لحركة التاريخ للإمام، بل أنها انفجار مفاجئ غير متوقع قد يحدث في اى وقت حتى إن تأخرت
معلوم أن الوسائل تأخذ عادة حكم المقاصد في الإسلام, فالخير أو الحق أو الحلال لايمكن التوصل إليه الاعبر الحلال والوسائل المقبولة مثله
ولذلك من الغريب أن تلجأ الدولة التي تدعى الإسلام إلى وسائل غير مقبولة شرعا لتثبيت حكم الله فتقطع الطريق على عباد الله وتفرض عليهم ضريبة المرور في طرقهم التي هي طرق الله بحسب فهمهم
في حديث المرأة الغامدية التي زنت وأصرت على أن يتم تطبيق الحد عليها بعد أن استمهلها النبي صلى الله عليه وسلم حتى ولدت ثم حتى أرضعت ثم أقام عليها الحد ,وردت رواية أن نقطة من دمها أصابت صحابيا إثناء تطبيق الحد فسبها, فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم إنها تابت توبة لو تأبها صاحب مكس لتاب الله عليه
وصاحب المكس هو جامع الجباية , ولذلك فان أهل الضرائب كلهم أصحاب مكوس بحسب ذات الفهم ولكن بتصريح من الدولة الإسلامية في السودان!!, قاطع طريق من الدرجة الأولى بدلا من تطبيق حد الحرابة عليه تضفى عليه الدولة شرعية وتقنن لحضوره الضار في صفحة الوطن من اجل رفاه حفنة من نخبة الحكم في السودان
الشيء الغريب في النموذج الاقتصادي لهذه الدولة هو أن جميع مواطنيها يشتركون في بؤس الدعم اللازم لبقاء سياراتها ومرتباتها وزوكاتها وجبايتها وضريباتها, فقيرا كنت او محدود الدخل, في النهاية يجب أن تدفع لتستحق ولاية الدولة عليك, تدفع لتتعلم, وتتعالج, وتسكن, والغريب ان كل هذه حقوق كانت دستورية فى يوم من الايام وقد استحقت ليس فقط لانها حقوق اتفقت على عدالتها كل المواثيق والعهود الدولية لحقوق الانسان , ولكن ببساطة لان الشعب السودانى ناضل وعمل من اجلها واسقط انظمة فى سبيل اقرارها
اعتقد ان تقديم نموذج اسلامى بهذه الملامح القبيحة هو مؤامرة على الاسلام نفسه, ذلك ان الدين فى الذهنية السودانية ولا علاقة له بضرائب الدخل ولا بالضريبة على الإرباح ولا بضرائب المحليات ولا بضرائب الولايات وضرائب المركز, الدين فى الذهنية الاسلامية له معان خاصة لاعلاقة لها بالتكبيرات الخالية من المعنى ولذلك فمن غير الاخلاقى أبدا استغلال شعاراته, وتديننا العميق كسودانيين لفرض هذا التوجه السلطوي الذي لا علاقة له بحياتنا ولا بطبيعتنا ولا بتقاليدنا وذلك ليثرى فقط أصحاب الحظوة في النظام حتى وان ضاع الوطن كله وتمزق كما ضاع الجنوب العزيز
السودان بحسب تجربتنا مع الانقاذ لن تكون أبدا دولة عمر بن عبد العزيز وان استعادت استخراج البترول وتصالحت مع أمريكا وتقبلت منها معونتها, فالأولى إذن أن تكون دولة طبيعية للمواطنة, ذلك ان دولة بن عبد العزيز كانت لا تتوفر على فقير واحد بعد عامين فقط من ولادتها , وكانت تبعث بمن ينادى فى الطرقات عمن يحتاج شيئا بينما دولة الانقاذ الان وبعد عشرين عجاف هى دولة الجوع والفقر والغضب و المكوس والحزن النبيل
و يعلم الجميع ان سياسة المكوث والجبايات الحالية هي التي ساهمت بهروب راس المال الوطني إلى الخارج ما ضيع على السودان مليارات كان من شانها ان تفعل الكثير, فى مقابل بعض الاستثمارات العربية التى تواصل هروبها اليومى منه وشعور عميق يسكنها بأنها خدعت وبان هذا البلد بسياساته الحالية لاينفع فيه اى عمل استثمارى جاد,
, وهى ذات السياسة التي أدت إلى الأزمة الحالية في ارتفاع الأسعار, وهى التي ستفاقم مزيد من الأزمات مالم تتبع الحكومة خطة بشرية طبيعية لإنقاذ الاقتصاد السوداني الهزيل تخرجه على الأقل من قائمة الدول الأكثر فشلا , وتعيد للإنسان السوداني كرامته
هي ذات السياسة التي يعرف كل تلاميذ الثانويات في العالم إنها تسببت في سقوط الإمبراطورية, العثمانية التي حكمت العالم في يوم من الأيام, فإسماعيل باشا بعد فتح السودان من اجل المال والرجال , فرض ضرائب كبيرة وكانت جبايتها تتم بطرق لاتشبهها إلا طرق الإنقاذ القاسية الأمر الذي تسبب في كثير من التمردات والغبن لأبناء السودان, يحدثنا التاريخ أن هذا الحاكم عمل على تخفيض المكوث والجبايات حين استشعر خطورة غضب السودانيين آنذاك , وهذا امر لم تفعله الانقاذ نفسها وما اغرب هذا ,ومع ذلك قامت المهدية فطهرت السودان من ظلم المستعمر البغيض الذي لم يشفع له انه طبق المدونة الحنفية في الفقه ولا كونه يقيم الشريعة في العباد والبلاد
هل يمكن أن نقرأ التاريخ فنعتبر , إلا يمكن أن يعيد التاريخ نفسه ذات صيرورة فتسمع الإنقاذ عبارات من عينة ( انه لايدخل الجنة صاحب مكس) وهى حديث شريف
ذلك أن معرفتنا البسيطة تقول أن مهمة الدولة هي الرعاية وليست الجباية, وحين تتحول الدولة عن هذه المهمة تصبح مؤسسة للقمع فقط , القمع الفكري والسياسي والاجتماعي والاقتصادي
وهذا القمع( الفكري السياسي والاجتماعي والثقافى والاعلامى وووالخ) يمكن تسميته ايدلوجيا ليس فقط مرتبطا بالقمع المادي وبفوضى المكوس والجبايات في السودان , لكنه قد يكون أهم منه ، لأن ردود الفعل على هذا القمع عادة تكون ظاهرة مجسمة، بينما مناهضة الهيمنة الأيديولوجية تصبح من الصعوبة بمكان، في ظل وعي سياسي واجتماعي محدود لدى أكثر الناس
مهمة الدولة الأساسية هي تأمين ضوابط عدم استعمال السلطة بشكل يؤدى الى اذلال الشعب او اذيته والا تحولت الى مؤسسة للقمع بينما الاصل ان تكون مؤسسة للرعاية و لتحرير الإنسان /المواطن من الاستعباد والخوف والانتهاكات
هذه المهمة تحتاج إلى الكثير لتصبح راسخة في أذهان الناس., تحتاج الى رجال دولة وقادة اذكياء وحادبين على مصلحة الوطن ولا اعرف من اين قد نأتى بهم
اما عودة الوعى فتحتاج فقط إلى مثقف مرتبط بقضايا الناس ليس منحازا لغير همومهم , المثقف القادر على محاورة و اتخاذ موقف نقدي رصين ومؤثر تجاه هذه الهموم وماتطرح من تحديات
السودان كله يحتاج ان يعمل من اجل مجتمع مدني حر وديمقراطي في ظل دولة مدنية تساوى بين الناس وتعمل من اجل رفاههم وألا فان الثورة ستأتي لا محالة كما قال بنجامين والتر
6/10/2011
No comments:
Post a Comment