فى الاسطورة الاغريقية ان نرجس نظر مرة الى صفحة الماء فرأى صورته الجميلة , ماجعله يكتشف سر اهتمام الحوريات به ومطاراداتهن الدائمة له رغم صده لهن
يقال ان الحوريات قد غضبن منه غضبا شديدا لانه لم يبادلنهن حبا بحب او اهتمام باهتمام, فشكونه الى الالهة فى جبال الاولمب , وقد حكمت عليه الآلهة( لا اله الا الله) بان يقع فى قصة حب فاشلة يعانى منها حتى الموت
انشغل نرجس بصورته على صفحة الماء وعشق هذه الصورة وظل عاكفا عليها حتى مات غما لكونه لايستطيع التواصل معها دون ان يدرك انه يطارد خيالا ووهما, تقول الاسطورة ان نرجس ظهرت فى مكان موته زهرة النرجس المعروفة كاشارة لانكباب المرء على ذاته حين يغرق فى التفاصيل العبثية على حساب الحياة والاخرين
خطايا نرجس التى رصدها علم النفس لم تكن الانانية فقط , نرجس ايضا مغرور جدا, كاره لنفسه والآخرين, وتافه ,هل كان هذا الشخص العجيب يعرف هذه الحقائق ؟ ربما ! وربما لايعرف ايضا , من المؤكد ان الالهة فى اعلى الاولمب التى سلطت عليه لعنتها لم تفعل ذلك الا بعد ان استجابت لدعوات الحوريات الحارة فانزلت غضبها عليه بذلك العشق الممنوع الذى ماكان ليخرج منه فائزا ابدا
معلوم ان الالهة ليست متفرغة للنظر فى خطايا انسان واحد , لكن الغرور فقط وليس الخوف هو مايجعل نرجس يظن ان خطاياه الصغيره وانشغاله بذاته كانت تقض مضجع الالهة , انه الغرور فى ابهى تجلياته ان يظن انسان انه مصدر انشغال الحياة , وفى الاسلام يقول الله ( العظمة ردائى والكبرياء ازارى من نازعنى فيهما قصمته) كما ورد فى الحديث القدسى
حكاية ترجس مازالت مستمره ,استعارها علم النفس , واستعارتها الحياة ايضا لتخبرنا عن هذه الشخصية الكارهة لذاتها والاخرين , لأن محبة الذات تؤدى دائما الى تدمير الأخر ان كان محكوما على هذا الاخر ان يطل خلف انسان نرجسى , اذا سيظل يعانى من تقديراته الخاطئة دائما,راى النرجسى دائما صواب لايحتمل الخطأ ورأى الاخرين دائما خطأ لايقبل الصواب, والصورة التى يختارها لنفسه امام الاخرين دائما هى الاجمل , لانها متأثرة بما راي ترجس على صفحة الماء فى ذلك الجدول الراكد, ولو ان نرجس كان قد فكر ان المرئى يعتمد على زاوية النظر , وان الناظر منظور اليه ايضا بشكل ما, وان مسالة النظر الى الاشياء نسبية , تحكمها كثير من العوامل الاحتماعية من تقافة وبيئة موقع اقتصادى وتقافة, فى الواقع ان النظر الى الاخر هو تجربة متكاملة تتحكم فيها مستوياتنا المعرفية بشكل رئيس
نرجس, كان خائفا, ولكنه كان ساعيا الى التحقق , يقول الاستاذ طلال الربيعى فى احد مقالاته:- (ويمكن للشخص النرجسي تحقيق -اناه- واشباع نرجسيته عندما تتوجه ألأنظار نحوه, كما في ألأستعراضات والفعاليات, ان الشخصية النرجسية تعيش وتقتات على اهتمام ألآخرين بها ليس بالصورة فقط بل ايضا بالكلام حولها. الشخصية النرجسية تعشق الأهتمام بها حتى لو كان ذلك اهتماما سلبيا, وحتى السب والشتم هو افضل لها بكثير من عدم ألأكتراث بها. ان ما تمقته وتخشاه حد الموت, وهذا تعبير حرفي وليس مجازيا, هو اللااكتراث واللامبالاة بها. فاللاأكتراث بها ,بصريا او سمعيا, يعني لها عدم وجودها او موتها )
سيظل نرجس المسكين دائما فى صراع مع الحياة, كارها لمن يحبه, لان تجربته الصغيره لن تمكنه من ادراك معنى الحب , حتى الذين يتصور انه يحبهم فهو يمارس الحب معهم على طريقة (انا آخذ فقط اذن انا موجود , انا اخذ لانى الاجدر والاكثر استحقاقا ), او (انظروا اليهم انهم يحبوننى),نرجس فيما يتعلق بالحب يمارس دائما نظرية النظر فى المرآة لانه يقوم باشباع نرجسيته طوال الوقت عبر تلك المرآة التى تعكس صورته, تماما كما فعل حين رأى صورته على صفحة الماء الراكد في ألأسطورةلكنه فى قرار سحيق من ذاته المظلمة يدرك جيدا انهم لايحبونه ولاهم يحزنون, ربما يخافون منه, ربمايتقون شره, ان اسوأ الناس من تركه الناس اتقاء لشره كما ورد فى الحديث
No comments:
Post a Comment