Sunday, April 1, 2012

تعليقات حول الحالة السودانية


فى حوار مع صديق حول الاوضاع فى السودان فاجئنى بأن قال لى ( ملعون ابوها بلد فاشلة) ثم صمت قليلا وقال لى (انا مثل جاهين بحبها وبلعن ابوها بعشق ذى الدا) يا أخى العالم كله ضدنا
والحق اقول لكم , ان العالم لايستهدف احدا, لكنه فقط يستثمر فى ما نتسبب به لانفسنا من ازمات
وحالة الفشل السودانى الحالى لها علاقة وطيده بالتاريخ, ازمة الجنوب التى بدأت قبل الاستقلال بقليل فى 1955 كانت لها اسباب موضوعية معروفة, و ظلت مشروعا مفتوحا للعنف بين الشمال والجنوب حتى عقد الراحل المخلوع نميرى اتفاقية اديس ابابا مع الفصائل المتمرده والتى اعطى الجنوب بموجبها حكما ذاتيا , وبدا ان الجميع سيتجه تلقاء التنمية والتحديث, ولكن سرعان مااندلعت الحرب مره اخرى اثر تراجع نميرى ونقضه لعهد السلام بتنفيذ فكره شيطانيه لا احد يعرف اسبابها حتى الان وتدخله فى الجنوب بتقسيمه الى اقاليم وفقا لسلطات دستورية اقل مما تم الاتفاق عليه فى اديس ابابا التى حقنت دما السودانيين لعشر سنوات كاملة من 1972- وحتى 1982,
ثم جاءت بعد ذلك نكبة قوانين سيتمبر, شبه الاسلاميةوالتى اعلن النميرى بموجبها تطبيق الشريعة الاسلامية فى السودان, واندلاع حرب الجنوب مرة اخرى , ثم انتفاضة شعبية كبرى اطاحت بالنميرى الى مزبلة التاريخ, لينشغل السودانيين بقوانين سبتمبر وما اذا كانت ستلغى ام سيتم استبدالها, فى اطار سؤال يشبه ايهما اولا البيضة ام الدجاجة, ظلت قوانين سيتمبر هى مسمار جحا فى السياسة السودانية ولم يجروء احد على التبرع بالغاءها وحتى هذه اللحظة ظل القانون الجنائى السودانى يدين بوجوده الى هذه القوانين سيئة الذكر والسيره فى كل النسخ التى تم اصدارها بعده
ومن الطرائف ان كاتب هذا المقال تسلم فى اواخر التسعينات قضية مرفوعة على الحكومة منذ ايام اعلان قوانين سبتمبر تقوم على مطالبة بعض المسيحين بالتعويض عن الخمور التى قام نميرى باهراقها فى ماء النيل تنفيذا لشرع الله!!!, ورغم ثبات فكره ان الخمر هو مال متقوم لغير المسلم يلزم من اتلفه الضمان فى الفقه الا ان هذه القضية مازالت كما علمت ترزح تحت نير التأجيل لعلها تجد يوما قاضيا منصفا
استكمل السودان انهياره بجرح الانفصال, لكن الانهيار بدأ باشتعال اوار النزعات الجهوية والعنصرية فى مجتمع متعدد الثقافات والاديان والاعراق واللغات , مجتمع لم يتشكل بعد لم يستكمل دورته الطبيعية فى التحول الى امة ثرية بمكوناتها وثرواتها الثقافية والمادية المهولة, يحدثنا التاريخ كيف ساهم بروز هذه النزعة فى التعجيل بانهيار الدولة المهدية فى اواخر القرن الثامن عشر بعد ان تمكنت من طرد الاستعمار المصرى الانجليزى , لقد استكثر السياسيون علينا حتى مسالة ان نكون الدولة الاكبر افريقيا بمليون ميل مربع احببنا كل سنتمتر منها , ورأينا كيف اندلعت الحروب بين الزرقة والعرب فى دارفور, وكيف دفع الاسلاميون دفعا غريبا باتجاه الطلاق بين الجنوب والشمال,
لم تحسم اتفاقية نيفاشا وضع القوات ولم تسع الانقاذ الى دمجها فى القوات المسلحة, ورغم ان هذا كان احد اسباب انهيار اتفاقية ادبس ابابا لكن مشكلة اهل هذا البلد انهم فاشلون جدا فى قدرتهم على قراءة التاريخ واستلهام عبرته, ومتفوقون جدا فى العودة اليه والبقاء فيه فى حركة نكوص ابدى لاتكف عن التراجع والوقوف إلا على اعتابه,
انتشر الفساد فى البر والبحر, واصبحنا واحدة من اكثر الدول فشلا وفقا لمنظمة الشفافية الدولية, تتفوق بكل فخر على افغانستان والصومال وها شابه ذلك بدولة او اثنتين
عندما تفاءلنا خيرا بان الربيع العربى قد يغشى السودان, سيما واننا شعب عاشق للحرية , بل والشعب الاول الذى يطيح بدكتاتوريتين عسكريتين فى تاريخ الدنيا, فوجئنا بالرئيس السودانى وأعوانه يسخرون ويتحدون فى ظل الصمت المريب الذى يكاد يقول خذونى من قبل المعارضة
يبدو انه لامناص من العودة الى نظرية المؤامرة, مؤامرة الحكومة والاحزاب على حرية الشعب السودانى, مشروع الانقاذ العروبى الملطخ بالدم وجد ان احزابنا يمكنها ان تتعايش معه,
فابستثناء حركات المقاومة غير الموقعة على اتفاقية ابوجا يقف السودانيون وحدهم بين سندان الحكومة ومحترفى الكلام فى الاحزاب التى لم يعد يسمعها احد ,ولايضفى بقاءها فى المشهد السياسى الا مزيد من الشرعية لحكومة امعنت فى قتل شعبها , وغيرت ملامحه الطبقية والثقافية والفكرية بشكل جذرى من خلال مشروعها العروبى الاسلاموى الكافر
ولنأخذ حزب الامة مثلا, وهو حزب يمينى يضم مجموعة من المثقفين وعلى راسهم زعيمه هم للانصاف موضع احترام من غالبية الشعب بغض النظر عن تركيبته الطائفية الرسمالية شبه الاقطاعية, الا ان الامل قد انقطع عنه سيما يعد مشاركة ابن زعيمه فى السلطة كمستشار ضمن جوقة من المستشارين فى الموؤسسة الرئاسية
الحزب الاتحادى الاصل والذى يحمل ذات التركيبة البنيوية لحزب الامة يشارك ابن زعيمه ايضا كمستشار لرئيس الدولة او ماتبقى منها
الحزب الشيوعى الذى تمنينا ان يكون اداءه اكثر ثورية اصبح منذ ىفتره مثل الاخرين , يريد ان يعمل تحت مظلة النظام ويدعو الى مؤتمر دستورى , و يؤكد طوال الوقت منذ عودته بعد اتفاقية القاهرة المعيبة والتى رعتها مخابرات المخلوع مبارك على مسالة الديمقراطية وتغيير النظام عبر الطرق السلمية
والحكومة تزاد وحشية فى كل يومات مكتظة , والافواه مكممة , والصحف تتم مصادرتها , وشباب السودان وحدهم, يسحلون فى السجون والمعتقلات فى كل يوم, فقط لان الاحزاب تحولت الى شاهد زور على الحرية والديمقراطية السليبتين,وعلى ضياع الوطن ودماء الشعب
والامريكان المشغولون جدا بأمن اسرائيل , ميسوطون جدا من ربيع الاخوان المسلمين فى المنطقة, يبدو انهم ادركوا ان الاخوان زرائعيون جدا ومطيعون ايضا, وانهم كسنة سيصبحون داعما تقليديا لاعداء ايران الشيعية التى قد تضرب قريبا, ولذلك هم يشاركون الشيوعيين رؤيتهم لضرورة تغيير النظام وتحويله باتجاه الديمقراطية بدلا عن الاطاحة به لصالح قوى وطنية قد تشكل نشازا فى سيمفونية الاخوان التى تعزف الان موسيقى الديمقراطية المؤمنة من تونس الى طرابلس الى القاهرة الى الخرطوم , وقريبا فى سوريا , ولا اعرف ما الذى يحدث الآن فى اليمن, وهو مشروع مدعوم بشكل مريب من مؤسسة الوسطية الكويتية ألحكومية ولا داع طبعا للتذكير بدور قطر فى هذه المسألة
ولأن الامريكان هم المخرجين كما تحدث احد الزعماء السودانيين قبل زمان, فأن احزابنا العظيمة تجلس الآن كأى ممثل فاشل بانتظار المخرج الذى سيوزع الادوار
اما مايريده الشعب فمعقول ومنطقى ,
الشعب السودانى يريد الحرية والديمقراطية لأن، هذا حق اصيل من حقوق البشر,الشعب يريد ايقاف الحرب فى جبال النوبة والنيل الازرق, عودة النازحين , والاستجابة لمطالب المزارعين ومتضررى السدود ,الشعب يريد محاسبة المفسدين من قتلته و سارقى مقدراته, الشعب يريد دولة مدنية , الشعب يريد ان يخرج من عباءة الثقافة والانتماء القسرى للدول العربية فى اطار دولة تحترم هويته الافريقية بمثل ماتحترم وجود الثقافة العربية التى كانت سييا فى اغلب مأسى هذا البلد المنكوب, الشعب السودانى يريد عودة نصفه الجنوبى الافريقى المقطوع عبر وحدة طوعية على اسس جديده قديمة نبدأها بعلاقات سلمية , علاقات تهدف الى مصلحة الشعبين فى اطار من الندية والاحترام المشترك
هذا والا فان الشعب سيرغب بقوه فى اسقاط النظام

No comments:

Post a Comment