Wednesday, July 27, 2016

قراءة في نظرية الحب 3 حب الله


الله في الفكر الغربي الحديث ومسألة الخير الاقصى

يذهب اريك فروم  الي ان الشكل الديني للحب هو حب الله, وفي كل الاديان , سواء كانت تؤله اله واحد او عدة آلهة يعد الله هو القيمة الاعلى والخير الاقصى المرغوب للحب, في الفكر الغربي الانسان  انبثق من الطبيعة  التي كان متحدا بها , ولذلك فانه يجد الامان في محاولة الارتداد  الدائمة الي وحدته الاصلية تلك, انه يحن الي هذه الروابط الاولية ,ولايزال يشعر انه مرتبط بعالم الحيوان, في العصور البدائية يتحول ألحيوان الي طوطم, يرتدي الانسان الجلد , يتحول الحيوان الي معبود
.ثم في مرحلة ثانية ترتقي الادوات , فيتحول الانسان بالعبادة الي نتاج يده, انها مرحلة عبادة الاوثان, ان الانسان يصل الي ان يقذف ذاته  بقواه ومهارته في الاشياء التي صنعها وهكذا بطريقة مغتربة يعبد براعته, ممتلكاته
 وفي مرحلة تالية يعطي آلهته شكل البشر, هذا يحدث عندما يصبح اكثر وعيا بنفسه , ويكتشف ان الانسان هو اكرم مافي الوجود , وهنا يحدث تحول ايضا يشير الي الطبيعة الانثوية والذكرية للآلهة, هذا يشير الي ماحققه الانسان من نضج,  تحدد طبيعة  الهته وطبيعة حبه لها
تفيد هنا أبحاث مورغان وبتشوفن  حول تطور المجتعات , رغم أن الدوائر الاكاديمية لم تعترف بها في أغلبها ,  تفيد أن هناك مرحلة أمومية في الدين 
الدين الامومي
في هذه المرحلة الام هي الزعيمة وهي الكائن الاعلي والاهم
 يحتاج منا ذلك  أن نتذكر معني  حب الام  
انه  مطلق , شامل الحماية , مستحوذ ,محيط  ,لايمكن التحكم فيه  او اكتسابه , إنه يعطي شعورا بالنعمة ,وعند غيابه يعطي شعورا بالضياع  واليأس  المطبق, و الام تحب  اطفالها لأنهم اطفالها ,  ليس لأنهم طيبون ومطيعون  ويحققون رغباتها  واوامرها , حب الام  قائم علي المساواة . كل الناس  متساوون  لأنهم  جميعا اطفالها, لانهم  اطفال الارض الأم
المرحلة الثانية  في التطور الانساني هي المرحلة الأبوية
 ,إنها  المرحلة الوحيدة التي تتوفر عليها معلومات ولاتحتاج مراجع واسانيد, هنا  تخلع الام من مكانتها السامية ,و يصبح الاب هو الكائن الاعلى , في الدين  والمجتمع علي السواء.
 طبيعة الحب  الابوي  انه  يضع مطالب ويؤسس مبادىء  وقوانين , حب ألاب متوقف علي طاعة قوانينه  انه يفضل  الابن الاكثر شبها , والاكثر طاعة  والافضل ملائمة لكي يصبح خليفته , كوريث لممتلكاته( لاحظ الجانب الاقتصادي هنا والعلاقة بتطور الملكية ), المجتمع الابوي هرمي ,المساواة بين الأخوة تتراجع أمام المنافسة
لم يكن من الممكن محو الرغبة في حب الام من قلوب الناس, أن شخص الام المحبة لايمكن طردها من مجمع الالهة.
 في اليهودية يعاد تقديم جوانب  من الام في يهو, خاصة عند المتصوفة.
في الكاثوليكية يرمز لها  بالكنيسة وبالعذراء.
في البروتوستانية  نجد ان  شخص الام موجود لكنه خفي, حب الله لايمكن جلبه , انه النعمة كما يري لوثر, فهي لاتكتسب مهما نعمل من الاعمال العظيمة , فهو اما موجود واما غير موجود فهذا الطابع الامومي يمكن ان يلحظ  عند لوثر, بينما في الكاثوليكية  نجد طابع ابوي صرف ,حيث حب الله يمكن إكتسابه بالاعمال الصالحة والتزلف لله فقط
 في الطور الابوي يتم أنسنة الاله   في الفكر الغربي’  يجعلونه يتصرف مثل الانسان , ويفعل مايشاء بالانسان ,  يطرد الانسان من الجنة, حتى لا  يأكل من شجرة المعرفة ,  يقرر  تدمير الانسان بالطوفان لانه لم يجد من يرضى عنه في الجنس البشري غير ابن واحد هو نوح ,  يطلب  من ابراهيم ذبح ابنه ليبرهن علي محبته  ب الطاعة المطلقة
يلتزم  لنوح بأن لايدمر البشر مرة اخرى
هذه افكار تختلف كثيرا عن العقيدة الاسلامية كما لايخفي علي القارىء
 التطور يزداد اكثر  ليسير في اتجاه تحويل الاب  الي رمز لمبادئه, الله هو العدل  هو الحق  انه يصبح رمز مبدأ الوحدة القائمة وراء تكشف الظواهر , والزهرة التي ستنمو من البذرة الروحية  في الانسان  تكشف ان الله  لايمكن ان يكون له اسم, الاسم يشير الي شخص او شىء محدد, والله ليس شخصا ولاشىء محدد , فكيف يكون له اسم
 في الكتاب المقدس(التوراة)
 عندما ظهر الله لموسى, يقول له موسى ان العبرانيين لن يصدقوا ان الله قد ارسله  مالم يخبرهم باسم الله، فما هو؟ , فيخبر موسى  ان اسمه هو ( انا اصير ما انا اصير اليه)( انا اصير ما هو اسمي) ان انا اصير تعني ان الله ليس متناهيا  ليس شخصا ليس كائنا , ان احسن ترجمة لذلك هي (اخبرهم ان اسمي من لا اسم له )
ان تحريم رسم اي صورة لله في اليهودية  ونطق اسمه عبثا  بل نطق اسمه اصلا تهدف الي تحرير الانسان من فكرة ان الله اب , او انه شخص
 يتطور ذلك الي  فكرة اخرى ومبدا يقول بأن  الانسان يجب الا  يعطي  الله اى صفة ايجابية! الاكتفاء بالصفات السلبية , ( الله ليس كذا  ) ليس جائرا , ليس قاسيا, الخ اما الاقرار بعدله  ورحمته واي صفة ايجابية من شانها ان تعيدنا الي فكرة انه شخص, فكلما  ازداد اليهودي معرفة بما ليس عليه الله ازداد معرفة بالله!
(في الاسلام هذا هو تعطيل الله عن صفاته  واسماءه بدعوى التنزيه , وهو اقرب مايكون الي مذهب  الجهمية)
يؤدي هذا الي نتيجة, هي عدم ذكر اسم الله  اطلاقا( الذكر هو اعظم القربات في الاسلام), عدم الحديث عن الله , الله يصبح ماهو عليه في اللاهوت الموحد  وماهو عليه لا يعرفه احد !, هو فقط الواحد الذى لايسمى! , وهذا غموض لايكشف عن محتواه, لكنه اشارة  الي الوحدة التي تضم الكون الظاهري  اساس الوجود كله , معني عام كالحب والعدل  اا الخ, هذا التطور من مبدأ انسنة الطبيعة الي التوحيد الذى يحصن الله عن الذكر هو سبب  الفروق  حول طبيعة حب الله, يمكن ان نحب اله ابراهيم او ان نخشاه  كأب , الله اب , والانسان طفل , طفل لم يكتسب الموضوعية بعد ليعرف محدوديته ككائن انساني عاجز وجاهل , انه لايزال يزعم كطفل ان ثمة اب يراقب  ويعاقب ويثيب عند الطاعة
يقول فرويد (ان الشخص المتدين حقا لا يحب الله كما يحب الطفل اباه, لانه لايتوقع شىء من الله , لقد اجتاز تواضع معرفته بالله الي الاقرار بعدم المعرفة , الله بالنسبة له رمز عبر فيه الانسان في مرحلة مبكرة  مرحلة العالم الروحي, مملكة الحب والحق والعدل, انه يؤمن بهذه المبادىء  ويفكر في الحق ويعيش بالعدل, ويسعى لاستكشاف قواه الانسانية  باعتبارها الواقع الوحيد الذى يهمه , باعتبارها الموضوع الوحيد للخير والاهتمام الاقصى, وان كان علي الانسان ان يعرف الله  فانه يكون هو الشوق لاجتياز المقدرة الكاملة  علي الحب لتحقيق الفكرة التي تقوم مقام الله  ومايمثله في الانسان)
في المسيحية غضب الله من بني اسرائيل وغباوتهم , فاضطر للنزول اليهم بنفسه, وفقا لنظرية اللاهوت والناسوت اختلط الله بواحد من مخلوقاته,  تجسد في يسوع  ليخلص العالم من الخطيئة , وربما ارسل ابنه ليقوم بهذا العمل , وهناك نظرية الآب والابن والروح القدس, ثالوث مقدس جعلته الكنيسة اله واحد  في نظرية شديدة التعقيد , لكن الكنيسة تركز اكثر علي مسألة محبة العالم التي يحملها هذا المخلص اكثر من تركيزها علي طبيعته
الله في العقيدة الاسلامية
له اسماء كثيرة  وله صفات , اسماء الله وصفاته واردة في القرآن والسنة, يعرف المسلم  معناها ولا يعرف حقيقتها ولا كيفيتها, يمرها كما وردت , يثبت منها ما اثبت الله لنفسه ,
دون تكييف ولاتمثيل ولاتشبيه ولا تعطيل
اوضح الامثلة لهذه القاعدة في معرفة الله في الاسلام هي مقولة الامام مالك, حين سئل عن معني الاستواء في قوله تعالي( الرحمن علي العرش استوى)
قال مالك( الاستواء معلوم والكيف مجهول والسؤال عنه بدعة), فالاستواء صفة لله أثبتها له لانه اثبتها لنفسه, وهو لفظ معلوم في اللغة بمعني العلو , لكنه علو مختلف ليس كعلو المخلوق, فلم يشبه علو الله , ولانزه الله  عنه حتي لا يعطل الصفة , ولاكيف علو الله لان الكيفية مجهولة , ونهى  عن السؤال عن هذه الكيفية لان هذا من الابتداع في الدين
ومن صفات الله ان له يد وله وجه  وساق, و هو  ينزل و يغضب ويضحك  وغير هذا مما ورد في القرآن والسنة ويصعب احصاءه في مقال , فان المسلم يتبع  في الايمان بذلك ذات القاعدة بالابتعاد عن التشبيه, فالله له يد ليست كيد المخلوق, ولايلجأ للتاويل بقول ان يد الله قدرته( مثلا),فيد الله هي يد الله وساقه ساقه بلا تشبيه ولا تأويل ولا تعطيل ولاتكييف ولاتمثيل
يؤمن بها ويعلم معناها ويمرها كما وردت مفوضا امر معرفة حقيقتها اليه سبحانه وتعالى, وجماع ذلك كله في قوله تعالى( ليس كمثله شىء وهو السميع البصير)
ورغم ان لله اسماء كثيرة , الا ان الله واحد, وماعبد مسلم  الله بشىء افضل من الاقرار بوحدانيته, فهو واحِدٌ في ذاته، وواحِدٌ في أسمائِه، وواحِدٌ في أفعاله، وواحِدٌ في صِفاته., وهذه الوحدانية هي المدخل الرئيس لتحقيق الاسلام وتحقيق العبودية فلا شريك لله في ملكوته  ولا حكمه ولافي عبادته  وهو الواحد الاحد الفرد الصمد الذى لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد

No comments:

Post a Comment