Monday, November 20, 2017

تأملات في الشريعة الإسلامية




عندما اقر الصحابي الجليل ماعزبن مالك للنبي بانه زنى ، وطيق عليه حد الرجم، ارتجت المدينة وصار الناس يتحدثون  عنه  في مجالسهم  فبين  مكثر  ومقتصد .
كان الامر جللا مستحقا للانفعال ، تقول الرواية ان النبي  صلى الله عليه وسلم سمع  من يقول لصاحبه :انظر إلى هذا الَّذي ستر الله عليه فَلَمْ تَدَعْهُ نفسه حتى رُجِمَ رَجْمَ الكلب.
 فسكت عنهما، ثمَّ سار ساعةً حتَّى مَرَّ بِجِيفَةِ حمارٍ شائلٍ برجله؛ فقال: أَيْنَ فُلَانٌ وَفُلَانٌ؟»
 فقالا: نحن ‏‏ذان ‏يا رسول الله.
قال: «انْزِلَا فَكُلَا مِنْ جِيفَةِ هَذَا الحِمَارِ
فقالا: يا نبيَّ الله مَنْ يأكل من هذا؟!
قال: «فَمَا نِلْتُمَا مِنْ عِرْضِ أَخِيكُمَا آنِفًا أَشَدُّ مِنْ أَكْلٍ مِنْهُ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ! إِنَّهُ الْآنَ لَفِي أَنْهَارِ الْجَنَّةِ ‏ يَنْقَمِسُ ‏فِيهَا!
وقصة ماعز عامرة بكثير من الفقه والاحكام ناهيك عن العبر ومايمكن ان تسوقه للمسلم الباحث  عن الصلاح،  وتفاصيل القصة  في كثير من المراجع كالتالي:
(ان ماعزا كان قد وقع على جارية لصحابي آخر اسمه هزَّال بن يزيد بن ذئاب الأسلمي فقال له هزال: انطلق فأَخْبِرْ رسول الله، فعسى أن ينزل فيك قرآن. فانطلق فأخبره .......».
ولكن راويةاخرى تقول  ان ماعز في طريقه للاعتراف لقى ابوبكر الصديق فنصحه ان لايعترف وان يتوب وان يستر نفسه ، فرجع ولكن هزال  اصر عليه  مرة أخرى فذهب  وفي الطريق لقى عمر بن الخطاب فاشار اليه بمثل ما أشار اليه ابوبكر  ولكن هزال تدخل مرة أخرى  وخوفه ان النبي موجودوقد ينزل قرانا من السماء يقرأ الى ابد الابدين  فذهب مالك الى النبي واقر بفعل جريمة الزنا .
يقول  بريدة بن الحصيب رضي الله عنه : جاء ‏ماعز بن مالكٍ ‏إلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ ‏فقال: يا رسول الله ‏ ‏طهِّرني،‏
‏فقال:‏ «‏وَيْحَكَ! ارْجِعْ فَاسْتَغْفِرِ اللهَ وَتُبْ إِلَيْهِ».
 قال: فرجع غير بعيدٍ، ثمَّ جاء؛ فقال: يا رسول الله ‏طهِّرني،
. ‏فقال رسول الله ‏صلى الله عليه وسلم: «‏وَيْحَكَ ارْجِعْ فَاسْتَغْفِرِ اللهَ وَتُبْ إِلَيْهِ».
قال: فرجع غير بعيدٍ ثمَّ جاء؛ فقال: يا رسول الله ‏طهِّرني.
 ‏فقال النَّبيُّ ‏صلى الله عليه وسلم ‏مِثْلَ ذلك حتى إذا كانت الرابعة، قال له رسول الله: «فِيمَ أُطَهِّرُكَ؟»
 فقال: من الزِّنا. 
فسأل رسول الله‏ ‏‏صلى الله عليه وسلم:‏ «‏أَبِهِ جُنُونٌ؟»
 فَأُخْبِرَ أنَّه ليس بمجنونٍ
 فقال: «أَشَرِبَ خَمْرًا؟»
 فقام رجلٌ ‏فَاسْتَنْكَهَهُ ‏‏فَلَمْ يَجِدْ منه ريح خمرٍ.
قال: فقال رسول الله‏ ‏‏صلى الله عليه وسلم: «أَزَنَيْتَ؟» فقال: نعم»
بقية القصة ان النبي لم يجد بدا من ان يأمر بتطبيق الحد فبدأ الصحابة بتنفيذ الرجم ، النصوص التي اطلعنا عليها تقول بان الرجم بدأ في المصلى ،لكن بعض الشيوخ حدثنا ان النبي امر بان يتم الرجم خارج  المصلى .وهومانرجح صحته  عقلا .
هلا تركتموه؟
ثم ان مالكا لما اشتد عليه الم الرجم هرب  فقد روى جماعة من اهل السنن  انه :-
(فلما أصابته الحجارة أدبر يشتد، فلقيه رجل بيده لحي جمل فضربه فصرعه، فذكر للنبي صلى الله عليه وسلم فراره حين مسته الحجارة، قال: فهلا تركتموه.)

وقد وردت هذه القصة بروايات أخرى في كتب السنة ، واشتملت على تعابير اكثر دقة استخدمها النبي صلى عليه وسلم ليتأكد من حدوث فعل الزنا قبل ان يأمر برجم سيدنا ماعز رضى الله عنه .

ومن ذلك قوله في رواية لماعز لعلك قبلت ؟ لعلك فاخذت؟  لعلك غمزت ؟ وفي احدى الروايات ورد سؤال النبي صلى الله عليه وسلم لمالك  ويحك انكتها ؟ وهي رواية ثابتة في البخاري ، فالنبي صلى الله عليه وسلم كان تقريبا يحرض ماعز على ان لايقر، حيث ان الإقرار بانتهاك الحد لايتيح للحاكم مناصا ولابدا من تطبيق الجزاء ، ولكن القاعدة ان الحدود تدرأ بالشبهات ، فالنبي كان يريد ان يجد شبهة يدرأ بها الحد  ، ولكن بعض الفقه فرق بين طلب الاقرار وطلب اقامة الحد .وسنتعرض لبعض ذلك لاحقا .
سيدنا  مالك بن ماعز رضى الله عنه
هو صحابي جليل اشتهر بالصلاح وشهد النبي له بالجنة و ماعز بن مالك الأسلمي   كتب له رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كتابًا بإسلام قومه وقال عنه النبي -صلى الله عليه وسلم-: «لقد تاب توبة لو تابها طائفة من أمتي لأجزأت عنهم».

 وردت احاديث في الذب عنه والنهي عن اغتيابه وحث النبي صلى الله وسلم المسلمين على الاستغفار له ،كما شهد له بالجنة في الحديث الذى اوردناه في صدر المقال

شهد له قومه بالصلاح  حيث ن النبي سأل ان كان قد شرب خمرا ، كما انه سأل عن مدى صلاح ورجاحة عقل سيدنا مالك رضى الله عنه وفي  مسلم ان النبي التقت الى قوم مالك  وسألهم (أتَعْلَمُونَ بِعَقْلِهِ بَأْسًا تُنْكِرُونَ مِنْهُ شَيْئًا». فقالوا: ما نعلمه إِلاَّ ‏ ‏وَفِيَّ ‏ ‏العقل من صالحينا فيما نُرَى 

ماذكره ابن حجر عن سيدنا ماعز حيث قال(في هذا الحديث من الفوائد منقبة عظيمة لماعز بن مالك لأنه استمر على طلب إقامة الحد عليه مع توبته ليتم تطهيره، ولم يرجع عن إقراره مع أن الطبع البشري يقتضي أنه لا يستمر على الإقرار بما يقتضي إزهاق نفسه، فجاهد نفسه على ذلك وقوي عليها وأقر من غير اضطرار إلى إقامة ذلك عليه بالشهادة مع وضوح الطريق إلى سلامته من القتل بالتوبة.
تراجع عن الإقرار ام تراجع عن طلب إقامة الحد؟
في قصة ماعز مايفيد ان الرجوع عن الإقرار يسقط الحد ، ومحاولة هروب ماعز بمثابة رجوع عن الإقرار بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم حينما خبروه انهم قاموا بملاحقة ماعز عند هروبة هلا تركتموه ، فالفقه يقبل الرجوع عن الإقرار في جرائم الحدود وهو راي ذهب اليه الحنفية والشافعية، والحنابلة وهو الرواية المشهورة عند المالكية.
ولكن الفقه ناقش ما اذا كان محاولة هروب ماعز رضى الله عنه رجوعا عن الاقرار ام رجوع عن طلب تطبيق الحد؟
وقالوا انه  رجع عن طلب إقامة الحد عليه  ومن يرجع عن طلب إقامة الحد يترك ولو لم يرجع عن إقراره لحديث ماعز.
 فإنه لما هرب حين وجد مس الحجارة قال الرسول –صلى الله عليه وسلم- لمن رجمه: "هلا تركتموه، لعله أن يتوب، فيتوب الله عليه" مما يدل على أنه لم يرجع عن إقراره، وإنما رجع عن طلب إقامة الحد عليه –كما سيأتي- فيقبل منه ذلك، ويسقط عنه الحد، ويترك، لكونه قد جاء تائباً معترفاً بذنبه ومن هذه حالُه لا تجب إقامة الحد عليه أصلاً إلا بطلبه، لأن الرسول –صلى الله عليه وسلم- لم يقمه على ما عز والغامدية إلا بعد طلبهما لذلك وإصرارهما عليه أما مجرد إقرارهما فلا يعتبر طلباً لإقامة الحد عليهما، ولذلك لم يلتفت إليه الرسول –صلى الله عليه وسلم- بل أعرض عنه
كذلك في قصة ماعز ان الإقرار حجة على المقر فقط فلا يسأل المقر بالزنا عن شريكه طالما لم يضبط هذا الشريك او يقر .( انظر تقريب التهذيب لابن حجر )

حول مدى توافق عقوبة الرجم مع الحث على الاحسان في القتل :
لم تحدد الشريعة شكلا محددا لكيفية تطبيق عقوبة الرجم، ولاشك ان الرجم بالحجارة حتى الموت هو قتل  في غاية الصعوبة والايلام ، وقد انتشرت الصور التي تبين  اجتهاد بعض المجتمعات  في اختيار طرق للتنفيذ  مثل أجزاء من باكستان  وأفغانستان  ،وبعض مناطق الحركات  الخارجية المحاربة  وهي معروفة  فمنهم من يحفر حفرة يضع فيها المحكوم  ربما لمنعه من الهروب وهذا لايجوز ،  وقد راينا ان التنفيذ انتهى مع سيدنا مالك بضربة بلحى بعير تلقاه بها من نفذوا فيه الحد ، وقد ذهب العلامة الشيخ الددو الشنقيطي ان الضرب بالرصاص يجزء في هذا الامر باعتباره يمثل نوعا من الرجم  ,وهو اجتهاد يدل على ان الطريقة ليست توقيفية انما التوقف في الامر هو الالتزام بالحد الثابت بالشهادة او الإقرار   .
العبودية والمغفرة
الهدي النبوي  في قصة ماعز يقوم  على ان مغفرة الذنوب في الاسلام مرتبطة بالتوبة  واهميتها اكثر من ارتباطها بالعقوبة , والتوبة تجب ماقبلها ان صحت بشروطها
ان النبي نصح مالك بان يذهب ويطهر نفسه بالتوبة  دون ان يسأله عن طبيعة الجريمة التي يرغب في الإقرار بها ، ولا حتى على سبيل الفضول .
الاسلام لايبحث عن معاقية العصاة , بدليل ان النبي صلي الله عليه وسلم كان يشجع حتى من اعترف بالذنب على التراجع عن اعترافه حتي لايقيم عليه العقوبة, لـأن الهدف هو تربية الوازع الايماني الذى يحعلك تتذكر الله فتلجأ اليه

 ان الانسان لايحتاج ان يكون كاملا وملائكيا ليحظي برضا الله قال تعالي( ثم اورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بأذن الله )

هذه الكليات الايمانية اكثر فائدة من المنحي الايماني الذى يغرق فى التفاصيل والشروحات فى تصورى . ولذلك الفقه كله يقوم على تشحيع المخطئ على التوية ليحصل على الغفران في الدنيا ولآخرة لان الاسلام اصلا لايبحث عن الانسان الكامل,و فلسفة العبودية تقوم على ان هذا الانسان الناقص يتحقق كماله  الإنساني  وعبوديته بقدر اقترابه  من  الله بالتوبة والاعمال الصالحة . ولذلك تجد نص في الحديث الصحيح( لو لم تذنبوا وتتوبوا لذهب الله بكم وأتى بقوم آخرين يخطؤن فيستغفرون فيغفر الله لهم)