هيئة الدفاع عن المتهم عاصم عمر حسن
أم درمان – المهندسين
مربع (28) بناية 421
لدى محكمة الجنايات العامة – الخرطوم شمال
محاكمة المتهم / عاصم عمر حسن
في البلاغ نمرة 4836/2016
تحت طائلة المادة (130) من القانون الجنائي
يقول القاضيان المصريان المرموقان صلاح حمدي ولبيب حليم في سفرهما الموسوم "البيان في شرح قانون الإثبات في صفحتي (120)و(121) "والشهادة خبر يحتمل الكذب والصدق ونراها من أخطر أنواع الأدلة ويجب الحذر منها لتجنب أخطار الشهادة الكاذبة حتى قيل "أبغض طرق الإثبات عند الشارع شهادة الشهود بما فيها من احتمال المحاباة والانتقام" والشهادة حجة غير ملزمة لأن القاضي حر في تكوين اعتقاده منها .. وهي حجة غير قاطعة لأنها تقبل النفي بشهادة أخرى وبطرق أخرى من طرق الإثبات .. وهي أخيراً دليل قاصر لا يجوز الإثبات به في كل الأحوال.
يقول د. أحمد فتحي بهنسي في كتابه الشهير "القصاص في الفقه الإسلامي" صفحة (195) في مبحثه "الشهادة" .. "الشهادة شرعاً: أخبار صدق لإثبات حق بلفظ الشهادة في مجلس القضاء أو هي أخبار بحق للغير على الآخر سواء كان حق الله تعالى أو حق غيره ناشئاً عن يقين لا عن حسبان وتخمين وإليه الإشارة بقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا رأيت مثل الشمس فأشهد وإلا فدع".
يقول د. محمود فاروق النبهان مدير الدراسات الإسلامية بالرباط في كتابه الموسوم "مباحث في التشريع الجنائي الإسلامي" ولا ينبغي أن نصل للإدانة في جرائم القصاص إلا عندما نصل إلى درجة كبيرة من اليقين" ص(3) وما بعدها.
سعادة مولانا/ عابدين ضاحي
قاضي المحكمة العامة
الموقر
يمثل أمام عدالتكم والتي اتسع صدرها صبراً وأناة الطالب الجامعي عاصم عمر حسن فالشكر لكم ولإخواننا في الاتهام والحق الخاص.. وإنا لنترحم على روح المرحوم ونسأل له القبول عند اللطيف الخبير ..
مولانا
الموقر
إنه بالنظر لشبكة القانون الجنائي فإن ثمة خيط ذهبي لا يغيب عن العين والذهن أبداً مؤاده أنه على الاتهام وحده يقع عبء إثبات دعواه فوق مرحلة الشك المعقول وينبني على هذا أنه إذا ما أصاب قضية الاتهام أي خلل مهما قلَّّ شأنه، ترتب على ذلك قانوناً حتمية القضاء ببراءة المتهم ذلك إن البراءة مفترضة بحقه وهذا عين ما نصت عليه المادة "4" (ج) من قانون الإجراءات الجنائية لعام 1991م وفوق هذا فتلك قيمة دستورية ناهضة وفق أحكام المادة "24"(1) من دستور هذه البلاد وهو المستقر عليه عملاً.
مولانا الموقر
بمثلما زهدت النيابة العامة في خطبة إدعاء افتتاحية وفاءاً بنص المادة "139"(1)(ب) من قانون الإجراءات الجنائية فإنها وبذات القدر رغبت عن تقديم مرافعة ختامية وفي هذا مغذى ومعنى ... ويُحمد لزميلنا عن الحق الخاص أنه تقدم بمرافعة ختامية وما يهمنا فيها يمكن تلخيصه والرد عليه تبياناً للحقيقة إذ "بضدها تتبين الأشياء "..!
1. اقتطع زميلنا بعض إفادة شاهد الاتهام الأول زاكي الدين حسن فأورد ما يلي:
أ. "أنا شاهدت المتهم لما جدع الملتوف".
ب. "لحظة المتهم فك الملتوف نظري كان عليه طوالي".
ونرى –باحترام- أن إفادة هذا الشاهد مصنوعة أياً كانت محاولة إظهاره شاهداً تلقائياً وتحيط بواقعة تعرفه على المتهم وقت الواقعة شكوك كثيرة وذلك للأسباب الآتية:
(1) لم يصمد هذا الشاهد في مرحلة المناقشة ولنتأمل إفاداته:
(أ) "كلمة (بوب) ما سمعتها قبل كده".
(ب) "ما بعرف (بوب) يعني شنو".
(ج) "مضفر ولا ما مضفر".
(د) "قليل كثير ما بعرف "يقصد شعره"".
(ه) "بوب ولا ما بوب أنا ما بعرفه".
(و) "ما سمعت كلمة (بوب) من زول".
(ز) "غير متأكد من طوله".
(ح) "شعر المتهم (كابي) في كتفه(!)".
(ط) "المتهم كان لابس (فنلة) برتقالية نصف كم بدون لياقة".
(ي) "بنطلون المتهم ما شفته".
(ك) "أنا بطلع في شغب طوالي وما حصل شفت المتهم في شغب؟!".
(2) بل ويصعق المرء أكبَّر مما يدهش- حينما يستقرئ إفادة هذا الشاهد الكذوب في يومية التحري إذ بالرجوع لأقواله على صفحة (19) وبتاريخ 5/5/2016م وقبل خمسة أيام على طابور التعرف الذي تم إعداده بتاريخ 9/5/2016م يقول الشاهد "... وتعاملنا مع المتظاهرين قاموا اتجهوا ناحية السوق العربي جوار الجامع الكبير وفعلاً لحقنا بيهم .. قام المتهم عاصم بوب وهو نفسه المتهم المقبوض عليه بإلقاء ملتوف على الدفار مما أصابني ومعاي زملائي بالحريق.. جوهر هذه الإفادة ما جاء أيضاً على لسان المتحري.
(3) .. والسؤال الكاشف لطبخ هكذا إفادة لهذا الشاهد طبخاً ينصرف لكل شهود الاتهام .. تُرى كيف تأتى للشاهد معرفة المتهم بالاسم وحتى اللقب؟! في ذلك التوقيت أليس هذا فوق ما يطعن في إفادة الشاهد مما (ينسف) أيضاً مصداقية طابور التعرف فوق ما يعتري هذا الطابور من أخطاء ومخاطر وعوار وفقما سيأتي ذكره لاحقاً..!
مولانا - الموقر
نعود ثانية لمرافعة الاتهام المعدة بمعرفة زميلنا عن الحق الخاص إذ بذات الكيفية يقتطع من إفادة شاهد الاتهام الثالث فارس مامون ما يلي:
(أ) "شاهدت المتهم قبل (فك) الملتوف لحظة عايز (يفكه) ولم أشاهده بعد الحادث".
(ب) "شفت المتهم طلع الملتوف من شنطته كان لابسها في ظهره وطلعه بسرعة".
هذا الشاهد أكثر اهتزازاً وضعفاً من شاهد الاتهام الأول ولا يمكن الركون لافادته وذلك للأسباب الآتية:
(أ) في أقواله في يومية التحري يذكر أن عمره (23) عاماً حين أنه أمام المحكمة الموقرة يذكر أن عمره (22) عاماً ويتضح أن عمره (25) عاماً ..!
(ب) خلافاً لإفادته أمام المتهم يذكر في يومية التحري على صفحة (4) "فجأة أثناء دايرين ننزل في واحد ضرب ملتوف جوة العربية" وعلى صفحة (5) من ذات اليومية يذكر " واحد ضرب ملتوف جوة العربية من الاتجاه الأمامي محل الضابط ولع نار" ثم على صفحة (6) من يومية التحري "أنا شفت الشخص الضرب ملتوف كان على الاتجاه اليمين".
(ج) وصف هذا الشاهد المتهم بأنه "أسمر اللون" حين انه ولدى سماعه أمام المحكمة وعلى صفحة (104) من محضر المحكمة يقول "ووصفت لونه أخضراني" وشتان ما بين اللون الأسمر والأخضر..!
(د) في حين أن الشاهد (فارس) يؤكد في أقواله أمام المحكمة فيما يتعلق بلبس المتهم عند مشاهدته يوم الحادثة 28/4/2016م بقوله "لابس فنلة برتقالية " .. نراه في يومية التحري على صفحة (6) والأحداث لا زالت ساخنة يذكر ".. كان لابس فنلة تقريباً مابذكر كويس مع لهيب النار"..
وإنا لنتساءل كيف حدث هذا التناقض الجوهري الهام والإجابة أن ذات هذا "الفارس" وعلى صفحة (6) من يومية التحري يجيب " من زملائي سمعت منهم قالوا الشخص دا بظهر في المظاهرات طوالي" ويؤخذ من هذا – وهذا طبيعي جداً- أن الشهود تحدثوا مع بعضهم البعض وتأثروا بمقولاتهم عن تفاصيل كثيرة بل تم ترتبيهم وتلقينهم مما دفع بهذا الشاهد للقول "بفنلة برتقالية" وهو الذي لا يذكر ما إذا كانت فنلة أو غيرها والأحداث كما ذكرنا في جدتها والصور أقرب للذهن؟!
وقبل أن نتناول ما سطره زميلنا عن الحق الخاص بحق شاهد الاتهام فرح يطرقنا سؤال هام: تُرى لماذا تجاوز الزميل شاهد الاتهام الثاني علي سليمان محمد أحمد .. ظننا أن في الأمر شيئاً ولتبيان ذلك نستعرض أقوال هذا الشاهد كما يلي:
(أ) يقول هذا الشاهد المصطنع على صفحة (81) من محضر المحكمة: "المتهم ما كان لابس حاجة في رأسه كان لابس فنلة برتقالية ذكر هذا لعدة أشهر مضت على الحادثة حيث أنه وفي أوائل مايو 2016م لأيام قليلة على وقوع الحدث وعلى صفحة (28) من يومية التحري يذكر " المتهم بوب دا كان واقف جدع فينا "اثنين" ملتوف – لاحظ اثنين ملتوف- .. ثم على ذات الصفحة يقول بملء فيه " نعم عندما المتهم شال الملتوف أنا شفته أوصافه أخضراني مربوع عنده شعر (بوب) لابس فنلة "خضراء""..
وهذا وصف لفنلة كان يرتديها المتهم وهو وصف جديد يختلف تماماً وجوهرياً عن الوصف الذي أعطاه الشاهد لفنلة المتهم امام المحكمة .. وشتان ما بين برتقالية وخضراء في ظل أن الشاهد لم يدفع بأية حال أنه يُعاني "عمى الألوان".
(ب) ظل هذا الشاهد يحدثنا عن طوبة – كما خُيِّل له- ذكر ذلك على صفحة (77) من محضر المحاكمة ثم على صفحة (83) ثم ذكرها مرتين على صفحة (88) من محضر المحاكمة حين أنه لم يأتي على ذكر (طوب) (و (طوبة) عند الإدلاء بأقواله في التحري مطلقاً..
مولانا -الموقر
إنَّ رؤية الفنلة "الخضراء" تلك لم تكن هي الرؤية اليتيمة في هذا البلاغ حتى يُقال أن تلك كانت "هنة" أو "لبس" أو حتى خطأ وقع فيه شاهد الاتهام الثاني إذ بالرجوع ليومية التحري وتحديداً صفحة (24) فيها نجد أنَّ الشاهد مصعب أحمد سنين والذي استبعد الاتهام شهادته على نحو لا يجيزه قانون أو عمل او عدالة يؤكد أن المتهم (بوب) -هكذا- قد (جدع) في الدفار ثلاثة ملتوف .. ثم أن المتهم كان متخفياً في عربة .. وأكد "نعم كان لابس فنلة خضراء" .. وأضاف "بوب هو معروف لدينا كل المظاهرات يكون في المقدمة" .. فتأمل مولاي كيف يكون الاستهداف وكيف يكون ترتيب الشهادات إلا أنَّ المشيئة الإلهية تعمل وتكشف وتنصف أياً كان التربص! .. ثم (ثالثة) ليس مصعب وحده وإنما شاهد الاتهام الرشيد سبيل خميس الذي يؤكد أن "المتهم بوب هو الرمى فينا (3) علب .. ويزعم هذا الشاهد أن المتهم كان متخفي في عربية وقام طلع من شنطة البنت ملتوف .. وعلى صفحة (27) من اليومية يؤكد " لابس فنلة خضراء".
ومن المؤسي الممض أنه قد تم استبعاد شاهد الاتهام الثاني حسب ترتيب يومية التحري .. نقصد المدعو مهيد عثمان إسماعيل فقط لأنه ذكر على صفحة (5) من يومية التحري "في واحد عامل بوب (فتحي محمد عبده) رمى علينا ملتوف وعمل فينا حريق في الدفار أوصافه: قصير عامل بوب شعره كثيف لابس قميص مسطر بني وبنطلون أسود وشايل شنطة".. الاستبعاد لمثل هكذا شاهد -أشار له المتحري أثناء تأدية شهادته وغيره من الشهود المستبعدين مما يُفقد الاتهام المصداقية والحيدة وهو محظور قانوناً بحكم السوابق وفقما سيرد لاحقاً_.
مولانا - الموقر
وما يهمنا عن الشاهد فرح محمد عبدالله قول زميلنا عن الحق الخاص " أن المتهم أقرَّ له ولزملائه بأنه هو الذي قام بإلقاء الملتوف على دفار إدارة شرطة العمليات".
تُرى لماذا لم يدفع الاتهام ولا الزميل عن الحق الخاص بأولئك (الزملاء)؟ هل هم شأن المتحري الأصلي والملازم أول الذي قام بعمل طابور التعرف (في مأمورية" .. ليت أن الاتهام او الحق الخاص أفتانا في ذلك لأهمية "الشهادة" بل وضرورتها.!
مولانا -الموقر
لقد بات من المؤكد أنَّ إفادات شهود الاتهام مشوبة بالكثير من الشكوك والعوار بالقدر الذي يستدعي مقولة القاضيين العالميين صلاح حمدي ولبيب حليم الذي استهللنا بها هذه المرافعة!
مولانا - الموقر
ثم أن زميلنا عن "الحق الخاص" احتكم للسابقة القضائية حكومة السودان ضد م/ع/أ – مجلة الأحكام القضائية 2013 ص(162) .. أوضح فيها ضرورة تقديم كشف شهود الغياب (ALIBI) في وقت مبكر إلا أن الذي لم يقل به أن هذا ما فعله المتهم حقاً في وقت مبكر إلا أن سلطات التحري تأبت عليه هذا الحق وقطعت عليه السبيل .!!.. إلا أننا نشير عرضاًً إلى أن العلامة د. كرشنا فاسديف أحد أشهر مفسري القانون الجنائي السوداني قد ذكر تحت عنوان "دليل الغياب" في كتابه الأشهر "أحكام الإثبات في السودان" ص(310) ما نصه: "للمتهم الحرية التامة في أن يفجر ما يدهش في هذا الشان بعد أن ينتهي الاتهام من تقديم أدلته للمحاكمة .. ويجب على المحاكم لدى تقرير الدفاع الذي يتمسك به المتهم من عدم وجوده بمكان الحادث، أن تضع في الاعتبار خلفية لنشأة المتهم"..
مولانا - الموقر
ذكر الزميل عن الحق الخاص أن المتهم نفسه قد ذكر أن (المحامين) قد زاروه ثلاث مرات تقريباً وهذا ما ينفي ما ردده الدفاع في الجلسة الأولى للسماع حينما ورد أنه قد "حيل بينه وبين المتهم طيلة الفترة السابقة" .. ونقول لم يحدد الزميل من هم أولئك المحامين لا اسماً ولا وصفاً .. أن محضر التحري وهو وثيقة رسمية يكشف بوضوح أنه قد تم رفض طلب المحامين لمقابلة المتهم بحجة لا يقرها القانون بتاتاً وبمقولة "أن في ذلك تأثير على التحري" حدث هذا في يوم 12/5/2016م .. و15/5/2016م و 2/6/2016 و 9/6/2016م .. فهل يقصد الزميل أن محامين – نجهلهم – قد زاروا المتهم من وراء ظهر النيابة .."زيارة على طريقة "السلام عليكم"... و"عليكم السلام"" وهل زيارة ممن (نجهل) و (بهذه الكيفية) تبقى زيارة بالمعنى الذي يرتب أثراً ما..! ومن أين لأولئك المحامين معرفة ما جرى ويجري على سبيل القطع والمتهم نفسه يجهل أسباب القبض عليه وإبقاءه بالحبس..!؟ .. وأياً كان الأمر فإن ظننا الذي كدنا أن نلحقه باليقين أن زميلنا عن الحق الخاص ما كان له أن يسمح لنفسه بالإدعاء ولو لوهلة أن تلك البينات المهترئة تكفي للقول بإمكانية إدانة المتهم تحت النص العقابي المقترح.! .. ولكن ما ذنبه وتلك حال البينات التي بين يديه.!
مولانا -الموقر
إنَّ واجب وأمانة المسئولية الملقاة على عاتق هيئة دفاع المتهم لتوجب علينا واجباً من الصعب تجاوزه وهو القول صراحة بأن إجراءات التحري في هذا البلاغ قد قَصُرت بالكلية عن أن تكون عادلة ومنصفة بحق المتهم برغم خطورة الفعل المنسوب إليه بل وافتقرت تلك الإجراءات للدقة المطلوبة .. كل ذلك خلافاً للوجوب الآمر المنصوص عنه في ذات الفقرة (ج) من المادة الرابعة من قانون الإجراءات الجنائية .. ويصدمنا ابتداءاً أنَّ من تولى تقديم إجراءات البلاغ أمام عدالتكم وأعني المساعد شرطة محمد الهادي إبراهيم قد قدم وقائع الدعوى بالإنابة عمن سماه ملازم أول "علي فتحي" .. والأمر الأكثر صدماً لهيئة الدفاع فإنها ما فتئت منذ تشكيلها تسعى لمقابلة المتهم دون طائل بالمخالفة البينة للوجوب المنصوص عنه في المادة "83"(3) من قانون الإجراءات الجنائية لسنة 1991م .. لقد مثلنا أمام عدالتكم ونحن نجهل تماماً واقع الدعوى ومركز المتهم القانوني فيها .. والأنكى أن المتهم نفسه -وفق سرده أمام عدالتكم – كان الأكثر تعاسة بهذا الإبهام والذي لا يتفق ومبدأ "الحق الذي أوجبته أحكام المادة "69"(1) من قانون الإجراءات الجنائية لسنة 1991م وهو أحد أهم معايير المحاكمة العادلة والذي أضحى مبدأً ذهبياً مستقراً إذ تنص المادة "9" (2) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية "يجب إبلاغ كل شخص يًقبض عليه بأسباب القبض عليه لدى وقوعه ويجب إبلاغه على وجه السرعة بأية تهمة تُوجه إليه" .. والمؤسي أن سلطة التحري – وحتى النيابة- أهملت ما يترتب على هذا الحق من ضرورة إبلاغ أسرة المتهم بنبأ القبض عليه ودوننا ما أبداه شاهد الدفاع الأول والد المتهم من حزن وأسى بسبب هذا العسف حتى ذهبت بالأسرة الشكوك مذاهب شر لا تُحصى .. إلا أن الأمر الذي مثَّل لهيئة الدفاع "الأكثر صدماً" على الإطلاق عدا ما تقدم وعداه مما تدركه عدالتكم الباصرة ومما سنتناوله بالتفصيل لاحقاً حينما نُفرز حيزاً لبينة الحصر (ALIBI) أو الغياب - ما جاء على لسان المتحري (البديل).. وهو بالتأكيد رأيه ورأي المتحري الأصلي ورأي رؤسائه بل والنيابة للأسف إذ يقول المتحري على صفحة (41) من محضر المحاكمة "المتهم نفى وجوده في مكان الحادث .. المتهم قال كان في البيت لحظة الحادث واستبعدت ذوي المتهم لأنهم شهود مصلحة"
... فيا هول ما نطق به المتحري؟!!!!لقد نصب المتحري نفسه قاضياً .. وفعل قبل سماع الحجة؟!!
إننا لنعجب - وحُقَّ لنا أن نعجب- "لشهادة" يتم رفضها قبل سماعها والالتقاء بأصحابها .. وممنْ؟ ... من سلطان التحري الواجب عليه التأكد من كل صغيرة وكبيرة .. وهل بدون هذا يُسمى التحري "تحرياً" أبداً.!؟ أضاعت سلطة التحري ومن ورائها النيابة حقيقة ما حدث بهذا "القرار" العجيب .. إنَّ هذا "التصرف" ليرقى حقاً لإعاقة عدالة التحري والذي هو بلا شك عرقلة لسير العدالة "Obstructing Justice" .. إنَّ المحكمة العليا وبتشكيل رفيع برئاسة مولانا العالم خلف الله الرشيد – طيَّب الله ثراه- أقرت من مبدأَ ذهبياً نص على: " تقتضي العدالة أن يعرض الاتهام كل ما في حوزته من بينات سواء كانت لصالح الاتهام أو الدفاع" "أنظر لطفاً مجلة الأحكام القضائية 1975 ص408" .. الكارثة المحققة أن سلطات التحري ومِنْ خلفها النيابة حالت بالكلية دون تواجد بينة المتهم داخل حوزتها إمعاناً في الحيلولة بينها وبين عدالة محكمتكم الموقرة!!أليس من حق المتهم أن يدفع بعسف التحري وظلمه وهذا مما يؤدي لشكوك كثيفة حول ما دفع به الاتهام من بينات فوق ما يشوبها من عيوب وعوار وفق ما سنتناوله في حينه!.. إننا كنا ندرك أن تلك العبارة الصاعقة التي وردت على لسان المتحري لقمينة بإقدام محكمتكم الموقرة باستدعاء شهود "غياب" المتهم إظهاراً للحقيقة حتى إن لم يفعل الدفاع!!
مولانا -الموقر
دفع الاتهام بأربعة شهود من أصل أكثر من عشرة – تناولنا إفادات بعضهم قبلاً- .. واقتطاع الاتهام باقي شهوده مما يثير الريبة وهو تكتيك يلجأ إليه الخصوم – عدا النيابة وهي خصم شريف يهمها براءة المتهم بمثلما يهمها الأخذ بيد الجاني الحقيقي- حينما يتسع فتق نسيج الأدلة تداركاً من الخصم حتى لا يتسع الفتق أكثر عند سماع مزيداً من الشهود ..!
إنَّ استبعاد هذا القدر من الشهادات فقط لأنه لم يأتٍ على هوى النيابة مما يفقد النيابة المصداقية والحيرة والحكمة التي توجب الاتصاف بها كما تقدم القول .. فالعدالة الجنائية ليست مباراة (It Is not a game) وفق المتفق عليه قضاءاً وفقهاً.
وحيث أن كل الصيد داخل الفراء فإننا نقول أن إفادات شهود الاتهام الثلاثة الأوائل جاءت في كثير من جزئياتها أمام عدالتكم بما يتناقض مع إفاداتهم بيومية التحري .. كما أنها على نحو عام – برغم التنسيق- تناقضت أيضاً بعضها مع البعض .. وذلك تفصيلاً على النحو الذي تناولناه عند الرد على مذكرة زميلنا عن الحق الخاص.
مولانا -الموقر
أما شاهد الاتهام الرابع ونعني فرح عبدالله فعدا ما ذكرناه قبلاً فإنَّ إفاداته في مجملها تفتقر المعقولية وتجسد استعراضاً بطولياً كاذباً بل وانتفاخاً وزهواً وانحيازاً ضد المتهم وتحدياً .. كل ذلك أفرغ شهادته من أية مصداقية وذلك للآتي من الأسباب:
(1) برغم محاولة الشاهد المستميتة للقول بأنه قد تعرف على المتهم بمجرد الوصف الذي تلقاه من الشكاة وهو وصف (مهتز) غير دقيق فإن في ثنايا إفاداته ما يُضعف بالحديث عن دور مبهم بعبارات عامة مبهمة أسماها "البحث وجمع المعلومات والرصد والمتابعة" .. ولم يوضح الشاهد وقائع هذا البحث ولا كنه المعلومات ولا الرصد والمتابعة .. ثم ثانية يلجأ للقول بأن لديهم مصدر داخل الجامعة .. تلك لعمري إدعاءات مرسلة يُراد لها أن ترتقي لرتق فجوات في شهادة ملفقة.
(2) لقد قطع هذا الشاهد بأن ليس للمتهم "شبيهاً" .. قالها بإطلاق وكأنما المتهم ينتمي لكوكب آخر أو أنه منقطع النسب منبت الانتماء وبلا شك فإنَّ الحكمة الشعبية المأثورة والنابعة عن عقل جمعي لخبرات متراكمة والقائلة "يخلق من الشبه أربعين" لتسخر حتماً من هذا الإدعاء المتحدي الفج!!؟ ويكذب هذا الإدعاء شاهد الاتهام الثاني علي سليمان إذ يقول في صفحة (86) من محضر المحاكمة "يعني في اثنين بيشبهوا المتهم شبه شديد" .. فتأمل؟!!!
(3) والأنكى أنَّ الشاهد يدعي ان المتهم عاصم قد أقرَّ له وعن طواعية بالفعل المنسوب له .. هذا إدعاء تكذبه شواهد كثيرة منها:
أ. ذكر الشاهد أنه قد قام بتدوين تلك الأقوال في ورقة .. وبرغم أهمية هكذا ورقة فإنها قد تسربت من بين يديه ولا يعرف لها مكاناً .. (أضاعها) بمثلما أضاع عموم شهادته بتلفيق يُحسد عليه! ... ولم يعثر "فرح" على تلك الورقة المزعومة برغم امتداد أداء شهادته لعدة شهور!
ب. ولو صحَّ إدعاء الشاهد بإقرار المتهم لَلزِم تكاثر الشهود إذ يؤكد هذا الشاهد أنه كان بمعية آخرين كثُر لاسيما وأنه يتحدث طيلة مثوله أمام المحكمة بلغة الجماعة .. ولم يتقدم أحد لأداء شهادة عداه وفقما سبق أن بينا ..!
ج. ولو صحَّ إدعاء الشاهد لأنحلت عقدة الدعوى دون مزيد إجراءات ولزم عندها أخذ المتهم عاصم فوراً لأقرب قاضي لتدوين اعترافه دون تأخير!
د. .. وعوضاً عن ذلك – إن حدث- إذ بالمتهم يبقى لأيام عديدة مديدة منذ 2/5/2016 وحتى 11/5/2016م .. إذ يزعم المتحري أنه قد تم القبض على المتهم عاصم في هذا التاريخ الأخير .. صحيح أن الشاهد يؤكد أن المتهم عاصم قد بقي ليومين بشعبة المباحث .. ثم إذا به يقول "أنا ما بعرف المتهم قعد كم يوم .. قعد مدة قدر شنو ما بعرف" .. حسناً ذلك هو دأب الشاهد فهو برغم حماسته لتوريط المتهم لا يعلم حتى تاريخ قبضه على وجه التحديد!؟
ه. أنكر الشاهد واقعة تعرض المتهم عاصم عند القبض عليه للضرب برغم أنه أدعى أن المتهم عاصم كان بصدد الاعتداء عليه بساطور كان يحمله.. لم يتخذ الشاهد أي إجراء برغم خطورة ما يزعمه.. وإنكار الشاهد لواقعة ضرب المتهم تكذبها بينة مستقلة وغير معابة وهي أقوال شاهدة الدفاع نفيسة محمد حسين وأقوال شاهد الدفاع محمد الوالي عمر على نحو أو آخر .. وهذا مما يُغري بل يؤكد صدق رواية المتهم الصاحية عما لحق به من تعذيب وإذلال يومئذٍ .. نعم فقد أُوثق وأُبرح ضرباً ولكماً وركلاً وزُجَّ به قذفاً داخل صندوق "بوكس" الشرطة على نحو لا يليق بل يقع مخالفاً لصحيح الإجراءات والقانون.! عندها تصح تماماً مقولة جون لوك والتي تنطوي على جوهر الحقيقة "حيثما ينتهي القانون يبدأ التسلط".. ما جرى للمتهم -وبعضه مشهود كما تقدم – ضمن أشياء أخرى هو في تقديرنا ما دفع بسلطات التحري بل والنيابة للحيلولة دون مقابلة بعض المحامين لاحقاً..!!
و. بل وصل الحد بشاهد الاتهام الرابع فرح محمد عبدالله لاختلاق ما ظنه دافعاً للفعل المنسوب للمتهم عاصم حينما اورد منسوباً للمتهم قولاً " أنا من جنوب دارفور" .. حين أن البينة كشفت "أقوال شاهد الدفاع الأول" أنه ليس ثمة ما يربط بين عاصم ودارفور سوى محبة أرض السودان أياً كان موقعها والشاهد أن أسرة المتهم تقيم في أمدرمان بحي الضباط شارع النيل بمثلما أقام أسلافهم لما يقارب القرن ونصفه دون انقطاع ولا علاقة لهم بدارفور مطلقاً.
.. وغير ما تقدم كثير مما لا يغيب عن فطنة عدالتكم من مختلق القول ومجافاته لسياق الأحداث!
مولانا -الموقر
ثمة عيوب ومآخذ كثيرة لازمت طابور التعرف على شخصية المتهم بل وسبقته بعض العيوب ولحقت به بعض عيوب لدى طرحه أمام محكمتكم الموقرة الأمر الذي يقعد بهذا الإجراء تماماً عن أن يرقى لبينة وذلك على النحو التالي.. وسنصطحب مذكرة هامة عن أشغال الشرطة العملية اعدها الفريق شرطة محمد الفضل عبدالكريم من جامعة الرابط الوطني في أبريل (2006) وتحديداً ما أورده فيها عن قواعد لازمة لإجراءات طوابير الاستعراف:
(1) لا تجيز الإجراءات للمتحري أن يعقد الطابور أو أن يقوم بدور فعال في إجراءات الطابور .. والصحيح أن يكلف ضابط آخر للقيام به في حضور الجهة القضائية (قاضي أو وكيل نيابة).. فإن كان الأمر كذلك فإنه بالأحرى ألا يقوم عدا من كُلَّف بإجراء الطابور بعرض مجرياته والشهادة بتلك المجريات أمام المحكمة والحقيقة المدوِّية أن إجراءات الطابور قام بها وفقما يبين من مستند اتهام (7) ذاته الملازم أول علي فتحي .. إن غياب هذين عن إجراءات المحاكمة يشي بشك كثيف! .. إنا لنزعم في الدفاع أن إجراءات الطابور وعرضها أمام محكمتكم الموقرة يقع منعدم الأثر قانوناً ناهيك عن أن يكون محلاً لوزن ليس له كما سنكشف لاحقاً.
(2) أحد أهم ضمانات طابور الاستعراف وبالذات في خطورة الفعل المنسوب للمتهم هو إخطار المتهم بنية عقد الطابور حتى يتسنى له حضور أي شخص يود حضوره كمحاميه أو صديقه .. ولكن هيهات فقد عزَّ المحامي والصديق بفعل متسلط من سلطات التحري والنيابة على وجه لا يقره قانون أو عدل!!
(3) الأصل أن يوضع المتهم بين 8 -10 أشخاص يشابهونه بقدر الإمكان من حيث الطول والشكل واللون والبنية ... هذا ما لم يحدث حيث يكشف مستند اتهام (7) أن خمسة من أصل ثمانية أشخاص تتفاوت أعمارهم بقدر كبير من عمر المتهم فاثنان منهم تجاوزت أعمارهم الثلاثين .. بينما كشفت بينة الاتهام نفسها أن أوصاف أولئك الأشخاص تختلف اختلافاً بيناً عن أوصاف المتهم من حيث اللون والطول والحجم.. علماً بأنّ أوصاف المتهم عاصم – لكونه ناشط سياسي معروف "بل وإنه زول بتاع شغب ومظاهرات كثيرة وشوهد كثيراً في المظاهرات" على حد قول المتحري وبعض شهود الاتهام- "أنظر لطفاً أقوال المتحري صفحة (34) ومابعدها " المتهم معروف وشوهد في عدد من المظاهرات. أوصاف المتهم تلك قد طفحت بها وسائل التواصل الاجتماعي و"البوسترات" والصور في الجامعات وغيرها من المواقع بل وحتى الأحياء السكنية وإن كان الأمر كذلك فما قيمة طابور التعرف إذن وما الحاجة له؟
(4) وبرغم ذلك فإن الأوصاف التي أدلى بها الشهود الذين مثلوا أمام المحكمة الموقرة بيومية التحري تجافي تماماً- كما تقدم القول- أوصاف المتهم عاصم .. هذه الأقوال تستدعي حكم السابقة حكومة السودان ضد صادق عبدالله سيد أحمد مجلة الأحكام 1963م ص(106) .. حيث يقول القاضي العالم أبو رنات -طيب الله ثراه- "أن الأقوال الأولى التي يدلي بها الشخص في يومية التحري تَفْضُل دائماً عن الأقوال التي يدلي بها في وقت لاحق عندما يكون الشاهد قد استمع لآراء آخرين يناقشون القضية معه ويتأثر بآرائهم؟".. وهذا ما قال به القاضي العالم عتيق – طيب الله ثراه- في السابقة المنشورة في مجلة الأحكام 1972" ص16، 17.
(5) إن محكمتكم الموقرة لتعي تماماً أن شهود التعرف هم من رجال الشرطة وكذا المرحوم الأمر الذي يثير غير القليل من الشكوك حول ما إذا تم تلقينهم وتنسيق الأمر معهم في ظل حقيقة أن هؤلاء الشهود في حقيقة أمرهم خصوم للمتهم عاصم وفق وقائع هذه الدعوى ولا يغيب المبدأ الأصولي الحاكم القاطع بأنَّ الشهادة للنفس لا يمكن قبولها طالما أن (الغيرية) المطلوبة لم تتوفر عملاً بأحكام المادة (23) من قانون الإثبات في تعريف الشهادة.
(6) - ذكر المتحري – والذي كان حضوراً عند إجراء طابور التعرف: "أكيد مافي زول كان في الطابور شعره بوب زي المتهم!".
(7) وإن كان ثم ما نختتم به هذه الجزئية فهو قول العلامة جلانفيل وليامز: "لا يمكن التوقع بأن التعرف بواسطة طابور الشخصية يجب أن يكون أداة أكثر سداداً للإجراء القانوني من إجراءات التحقيق أو الإثبات الأخرى ذلك لأنه عرضة دائماً لمخاطر الوقوع في الخطأ" – أنظر لطفاً أعلا صفحة (315) من أحكام الإثبات في السودان تأليف د. كريشنا فاسديف ترجمة هنري رياض وعبدالعزيز صفوت. ولا شك أن الخطأ وارد جداً في ظل حقيقة أنَّ طابور التعرف قد تم لما يقارب الأسبوعين على مرور يوم الحدث.. وتأخر الطابور لأسباب نجهلها حيث تم القبض على المتهم في 2/5/2016م دون إبداء أسباب لهذا التأخير مما يثير شكاً في صحة الإجراء وسلامته!!؟
مولانا -الموقر
برغم قسوة المعاملة التي واجهها المتهم عاصم وأدناها أنه ظل ومنذ القبض عليه بتاريخ 2/5/2016م وحتى حوالي 12/5/2016م – كما شهد والد المتهم- محشوراً في ملابسه المتسخة على نحو تنتفي معه كرامة معاملة المقبوض عليه والتي أوجبها القانون بنصوص آمرة فقد أبدى المتهم قدراً كبيراً من الصبر والثبات ضاناً ببراءته ان يُنال منها عسفاً مع كل ذلك العنت الممعن المستهدف قهره للتسليم بما أُملي عليه من محاولات للإقرار بالفعل المنسوب إليه .. إنَّ الصدق الذي تحلى به المتهم برغم كل شيء هو جوهر تمسكه بالحقيقة دون سواها .. وقد كشف المتهم لسلطات التحري ومبكراً جداً محل تواجده ببيت الأسرة والغرض الذي جعله يلازم بيت الأسرة بمعية والده وإخوته وغيرهم من آل بيته وعمر كمال وإبراهيم خالد الذين مثلوا أمام محكمتكم الموقرة وتواترت إفاداتهم على نحو كافٍ لترسي بينة غياب (ALIBI).. أعرضت سلطة التحري بمثلما أعرضت النيابة عن هذا الدفع الهام على الوجه الذي قلنا به قبلاً .. ونحن في هيئة الدفاع - وبما يشبه ضوءاً في قتامة المشهد وظلمه وظلامه- لنثمن عالياً أمانة المتحري مساعد شرطة محمد الهادي إبراهيم الذي لم يتوانى في معرض مناقشته عن الإفصاح الصادق عن سبب الإعراض عن البحث في تلك البينة الهامة. برغم عدم قانونية السبب بل وتنكبه سبيل القانون ومسار العدالة .. إلا أنَّ مؤدى الإقرار بهذه الواقعة الهامة جداً من قبل مساعد الشرطة مما يفي بشرط مطلوب وهو الإفصاح عن "دفع الغياب" .. ويكون المتهم بذلك قد أدى ما عليه برغم أن مولانا عماد الدين الجاك في مؤلفه "حجة الغياب وأثرها في الإثبات" قد خاض في هذا مبيناً ص(18) من سفره القيم "بعد الإطلاع على عدد كبير من أحكام القضاء الهندي والباكستاني والأمريكي نجد أن قضاة المحاكم العليا في تلك البلدان قد تعاملوا مع هذه النقطة في اتجاهين مختلفين تماماً وصدرت أحكام عديدة لم تتفق بعضها مع البعض الآخر حول هذه النقطة .. وسوف نلاحظ أن أصحاب كل رأي من قضاة المحاكم العليا قد استند إلى حجة قوية وسند منطقي لدعم وتأييد رأيه .. الخ" "أنظر لطفاً الصفحات (18،19،20) وما بعدها" ثم الصفحات (70،71،72) وما بعدها من المرجع المذكور أعلاه.
وقد يقول قائل لماذا لم يهرع شهود الدفاع للمتحري أو النيابة لعرض حجة غياب المتهم؟ ونقول فلنفترض تقاعسهم فهل يعني هذا ضياع حق المتهم عاصم والذي أبدى باكراً دفعه هذا مقروناً بأسماء لأشخاص عددهم حصراً؟ إن الإجابة لا تحتاج لجهد أو قل هي بمثلما يقول الفرنجة "It goes without saying" .. وبرغم كل شيء فإنَّ الطريق أمام هؤلاء الشهود لم يكن ميسراً - ناهيك عن أنهم ما كانوا يدركون تفاصيل الحدث - ولا حتى متاحاً عبَّر عن ذلك والد المتهم عاصم بقوله "ما كانوا بدونا وش" .. لقد ظلت سلطات التحري والنيابة تضنان على أهل المتهم حتى بمجرد معلومة تطمئن أهل المتهم ومعارفه .. لقد تقاعست سلطة التحري وكذا النيابة عن واجباتها على نحو لا يقره قانون ولا عدل ولا عرف!! .. ولم يقف الأمر عند توفر بينة الغياب القوية وحدها بل آزرتها بينة غياب أخرى تمثلت في أقوال شهود النفي الرابعة نفيسة محمد حسين وحسن الضي محمد عبدالله وفتحي محمد عبده شبيه المتهم عاصم .. كل هؤلاء "لصقاء" بعاصم وخلصائه "وشلته" .. وهم يؤكدون على وجه قاطع بعدم تواجد المتهم عاصم في عصر الأربعاء 28/4/2016م في موقع الحدث .. وبهذا تبقى حجة غياب المتهم عصية جداً على الطعن فيها حين أن درجة الإثبات بحق المتهم عاصم لا تتطلب كل هذا القدر من البينة بل يكفي قدراً ضئيلاً!!.
مولانا - الموقر
لولا المحاذير التي أوردها مولانا العالم زكي عبدالرحمن في السابقة حكومة السودان ضد عوض بكار في مجلة الأحكام القضائية 1982م صفحة (158) لاستغرقنا بعض الجهد في استهداف رؤية الاتهام القائلة بالقتل العمد .. ذلك وعلى سبيل المثال فقد شهد شاهد الاتهام الثاني وغيره بأن "الدفار" الذي كان يعتليه المرحوم "حسام" وصحبه كان متحركاً .. وسواء كان الدفار متحركاً ببطء أو خلافه فإنّ المعقول المقبول أنَّ من استهدف "بالمولوتف" أياً كان -عدا المتهم عاصم- قد استهدف مركبة الدفار دون أن يستهدف راكبيه أي أن نية القتل وقصده (mens Rea) ساعتئذٍ تستعصي على التصور!! وعوضاً عن ذلك فقد لازمت إجراءات التحري خيبات كثيرة أهمها ضعف البينة الفنية بل ولم يجرؤ الاتهام على تقديم أي خبير فني متخصص او حتى طبيب شرعي حاذق.!
مولانا - الموقر
لما تقدم من أسباب أو لأية أسباب أخرى تراها عدالتكم الباصرة فإن المتهم الطالب "عاصم عمر حسن" والذي يستشعر غير القليل من الغبن والضيم ... ليلتمس إعلان براءته مما هو منسوب إليه.
ونختم بقول الحق جلَّ وعلا " وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ "الآية (123) سورة هود
وتقبلوا سعادتكم وافر تقديرنا واحترامنا
أم درمان – المهندسين
مربع (28) بناية 421
لدى محكمة الجنايات العامة – الخرطوم شمال
محاكمة المتهم / عاصم عمر حسن
في البلاغ نمرة 4836/2016
تحت طائلة المادة (130) من القانون الجنائي
الموضوع : مرافعة الدفاع الختامية
يقول الحق سبحانه وتعالى في محكم تنزيله الآية (35) من سورة الإسراء "
وَزِنُواْ بِالقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ
تَأْوِيلاً".. ويقول المعصوم صلوات ربنا وسلامه عليه في صحيح السنة "لو
يُعطى الناس بدعواهم لأدعى أناس دماء رجال وأموالهم" .. وهو القائل "إذا
رأيت مثل الشمس فأشهد وإلا فدع". يقول القاضيان المصريان المرموقان صلاح حمدي ولبيب حليم في سفرهما الموسوم "البيان في شرح قانون الإثبات في صفحتي (120)و(121) "والشهادة خبر يحتمل الكذب والصدق ونراها من أخطر أنواع الأدلة ويجب الحذر منها لتجنب أخطار الشهادة الكاذبة حتى قيل "أبغض طرق الإثبات عند الشارع شهادة الشهود بما فيها من احتمال المحاباة والانتقام" والشهادة حجة غير ملزمة لأن القاضي حر في تكوين اعتقاده منها .. وهي حجة غير قاطعة لأنها تقبل النفي بشهادة أخرى وبطرق أخرى من طرق الإثبات .. وهي أخيراً دليل قاصر لا يجوز الإثبات به في كل الأحوال.
يقول د. أحمد فتحي بهنسي في كتابه الشهير "القصاص في الفقه الإسلامي" صفحة (195) في مبحثه "الشهادة" .. "الشهادة شرعاً: أخبار صدق لإثبات حق بلفظ الشهادة في مجلس القضاء أو هي أخبار بحق للغير على الآخر سواء كان حق الله تعالى أو حق غيره ناشئاً عن يقين لا عن حسبان وتخمين وإليه الإشارة بقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا رأيت مثل الشمس فأشهد وإلا فدع".
يقول د. محمود فاروق النبهان مدير الدراسات الإسلامية بالرباط في كتابه الموسوم "مباحث في التشريع الجنائي الإسلامي" ولا ينبغي أن نصل للإدانة في جرائم القصاص إلا عندما نصل إلى درجة كبيرة من اليقين" ص(3) وما بعدها.
سعادة مولانا/ عابدين ضاحي
قاضي المحكمة العامة
الموقر
يمثل أمام عدالتكم والتي اتسع صدرها صبراً وأناة الطالب الجامعي عاصم عمر حسن فالشكر لكم ولإخواننا في الاتهام والحق الخاص.. وإنا لنترحم على روح المرحوم ونسأل له القبول عند اللطيف الخبير ..
مولانا
الموقر
إنه بالنظر لشبكة القانون الجنائي فإن ثمة خيط ذهبي لا يغيب عن العين والذهن أبداً مؤاده أنه على الاتهام وحده يقع عبء إثبات دعواه فوق مرحلة الشك المعقول وينبني على هذا أنه إذا ما أصاب قضية الاتهام أي خلل مهما قلَّّ شأنه، ترتب على ذلك قانوناً حتمية القضاء ببراءة المتهم ذلك إن البراءة مفترضة بحقه وهذا عين ما نصت عليه المادة "4" (ج) من قانون الإجراءات الجنائية لعام 1991م وفوق هذا فتلك قيمة دستورية ناهضة وفق أحكام المادة "24"(1) من دستور هذه البلاد وهو المستقر عليه عملاً.
مولانا الموقر
بمثلما زهدت النيابة العامة في خطبة إدعاء افتتاحية وفاءاً بنص المادة "139"(1)(ب) من قانون الإجراءات الجنائية فإنها وبذات القدر رغبت عن تقديم مرافعة ختامية وفي هذا مغذى ومعنى ... ويُحمد لزميلنا عن الحق الخاص أنه تقدم بمرافعة ختامية وما يهمنا فيها يمكن تلخيصه والرد عليه تبياناً للحقيقة إذ "بضدها تتبين الأشياء "..!
1. اقتطع زميلنا بعض إفادة شاهد الاتهام الأول زاكي الدين حسن فأورد ما يلي:
أ. "أنا شاهدت المتهم لما جدع الملتوف".
ب. "لحظة المتهم فك الملتوف نظري كان عليه طوالي".
ونرى –باحترام- أن إفادة هذا الشاهد مصنوعة أياً كانت محاولة إظهاره شاهداً تلقائياً وتحيط بواقعة تعرفه على المتهم وقت الواقعة شكوك كثيرة وذلك للأسباب الآتية:
(1) لم يصمد هذا الشاهد في مرحلة المناقشة ولنتأمل إفاداته:
(أ) "كلمة (بوب) ما سمعتها قبل كده".
(ب) "ما بعرف (بوب) يعني شنو".
(ج) "مضفر ولا ما مضفر".
(د) "قليل كثير ما بعرف "يقصد شعره"".
(ه) "بوب ولا ما بوب أنا ما بعرفه".
(و) "ما سمعت كلمة (بوب) من زول".
(ز) "غير متأكد من طوله".
(ح) "شعر المتهم (كابي) في كتفه(!)".
(ط) "المتهم كان لابس (فنلة) برتقالية نصف كم بدون لياقة".
(ي) "بنطلون المتهم ما شفته".
(ك) "أنا بطلع في شغب طوالي وما حصل شفت المتهم في شغب؟!".
(2) بل ويصعق المرء أكبَّر مما يدهش- حينما يستقرئ إفادة هذا الشاهد الكذوب في يومية التحري إذ بالرجوع لأقواله على صفحة (19) وبتاريخ 5/5/2016م وقبل خمسة أيام على طابور التعرف الذي تم إعداده بتاريخ 9/5/2016م يقول الشاهد "... وتعاملنا مع المتظاهرين قاموا اتجهوا ناحية السوق العربي جوار الجامع الكبير وفعلاً لحقنا بيهم .. قام المتهم عاصم بوب وهو نفسه المتهم المقبوض عليه بإلقاء ملتوف على الدفار مما أصابني ومعاي زملائي بالحريق.. جوهر هذه الإفادة ما جاء أيضاً على لسان المتحري.
(3) .. والسؤال الكاشف لطبخ هكذا إفادة لهذا الشاهد طبخاً ينصرف لكل شهود الاتهام .. تُرى كيف تأتى للشاهد معرفة المتهم بالاسم وحتى اللقب؟! في ذلك التوقيت أليس هذا فوق ما يطعن في إفادة الشاهد مما (ينسف) أيضاً مصداقية طابور التعرف فوق ما يعتري هذا الطابور من أخطاء ومخاطر وعوار وفقما سيأتي ذكره لاحقاً..!
مولانا - الموقر
نعود ثانية لمرافعة الاتهام المعدة بمعرفة زميلنا عن الحق الخاص إذ بذات الكيفية يقتطع من إفادة شاهد الاتهام الثالث فارس مامون ما يلي:
(أ) "شاهدت المتهم قبل (فك) الملتوف لحظة عايز (يفكه) ولم أشاهده بعد الحادث".
(ب) "شفت المتهم طلع الملتوف من شنطته كان لابسها في ظهره وطلعه بسرعة".
هذا الشاهد أكثر اهتزازاً وضعفاً من شاهد الاتهام الأول ولا يمكن الركون لافادته وذلك للأسباب الآتية:
(أ) في أقواله في يومية التحري يذكر أن عمره (23) عاماً حين أنه أمام المحكمة الموقرة يذكر أن عمره (22) عاماً ويتضح أن عمره (25) عاماً ..!
(ب) خلافاً لإفادته أمام المتهم يذكر في يومية التحري على صفحة (4) "فجأة أثناء دايرين ننزل في واحد ضرب ملتوف جوة العربية" وعلى صفحة (5) من ذات اليومية يذكر " واحد ضرب ملتوف جوة العربية من الاتجاه الأمامي محل الضابط ولع نار" ثم على صفحة (6) من يومية التحري "أنا شفت الشخص الضرب ملتوف كان على الاتجاه اليمين".
(ج) وصف هذا الشاهد المتهم بأنه "أسمر اللون" حين انه ولدى سماعه أمام المحكمة وعلى صفحة (104) من محضر المحكمة يقول "ووصفت لونه أخضراني" وشتان ما بين اللون الأسمر والأخضر..!
(د) في حين أن الشاهد (فارس) يؤكد في أقواله أمام المحكمة فيما يتعلق بلبس المتهم عند مشاهدته يوم الحادثة 28/4/2016م بقوله "لابس فنلة برتقالية " .. نراه في يومية التحري على صفحة (6) والأحداث لا زالت ساخنة يذكر ".. كان لابس فنلة تقريباً مابذكر كويس مع لهيب النار"..
وإنا لنتساءل كيف حدث هذا التناقض الجوهري الهام والإجابة أن ذات هذا "الفارس" وعلى صفحة (6) من يومية التحري يجيب " من زملائي سمعت منهم قالوا الشخص دا بظهر في المظاهرات طوالي" ويؤخذ من هذا – وهذا طبيعي جداً- أن الشهود تحدثوا مع بعضهم البعض وتأثروا بمقولاتهم عن تفاصيل كثيرة بل تم ترتبيهم وتلقينهم مما دفع بهذا الشاهد للقول "بفنلة برتقالية" وهو الذي لا يذكر ما إذا كانت فنلة أو غيرها والأحداث كما ذكرنا في جدتها والصور أقرب للذهن؟!
وقبل أن نتناول ما سطره زميلنا عن الحق الخاص بحق شاهد الاتهام فرح يطرقنا سؤال هام: تُرى لماذا تجاوز الزميل شاهد الاتهام الثاني علي سليمان محمد أحمد .. ظننا أن في الأمر شيئاً ولتبيان ذلك نستعرض أقوال هذا الشاهد كما يلي:
(أ) يقول هذا الشاهد المصطنع على صفحة (81) من محضر المحكمة: "المتهم ما كان لابس حاجة في رأسه كان لابس فنلة برتقالية ذكر هذا لعدة أشهر مضت على الحادثة حيث أنه وفي أوائل مايو 2016م لأيام قليلة على وقوع الحدث وعلى صفحة (28) من يومية التحري يذكر " المتهم بوب دا كان واقف جدع فينا "اثنين" ملتوف – لاحظ اثنين ملتوف- .. ثم على ذات الصفحة يقول بملء فيه " نعم عندما المتهم شال الملتوف أنا شفته أوصافه أخضراني مربوع عنده شعر (بوب) لابس فنلة "خضراء""..
وهذا وصف لفنلة كان يرتديها المتهم وهو وصف جديد يختلف تماماً وجوهرياً عن الوصف الذي أعطاه الشاهد لفنلة المتهم امام المحكمة .. وشتان ما بين برتقالية وخضراء في ظل أن الشاهد لم يدفع بأية حال أنه يُعاني "عمى الألوان".
(ب) ظل هذا الشاهد يحدثنا عن طوبة – كما خُيِّل له- ذكر ذلك على صفحة (77) من محضر المحاكمة ثم على صفحة (83) ثم ذكرها مرتين على صفحة (88) من محضر المحاكمة حين أنه لم يأتي على ذكر (طوب) (و (طوبة) عند الإدلاء بأقواله في التحري مطلقاً..
مولانا -الموقر
إنَّ رؤية الفنلة "الخضراء" تلك لم تكن هي الرؤية اليتيمة في هذا البلاغ حتى يُقال أن تلك كانت "هنة" أو "لبس" أو حتى خطأ وقع فيه شاهد الاتهام الثاني إذ بالرجوع ليومية التحري وتحديداً صفحة (24) فيها نجد أنَّ الشاهد مصعب أحمد سنين والذي استبعد الاتهام شهادته على نحو لا يجيزه قانون أو عمل او عدالة يؤكد أن المتهم (بوب) -هكذا- قد (جدع) في الدفار ثلاثة ملتوف .. ثم أن المتهم كان متخفياً في عربة .. وأكد "نعم كان لابس فنلة خضراء" .. وأضاف "بوب هو معروف لدينا كل المظاهرات يكون في المقدمة" .. فتأمل مولاي كيف يكون الاستهداف وكيف يكون ترتيب الشهادات إلا أنَّ المشيئة الإلهية تعمل وتكشف وتنصف أياً كان التربص! .. ثم (ثالثة) ليس مصعب وحده وإنما شاهد الاتهام الرشيد سبيل خميس الذي يؤكد أن "المتهم بوب هو الرمى فينا (3) علب .. ويزعم هذا الشاهد أن المتهم كان متخفي في عربية وقام طلع من شنطة البنت ملتوف .. وعلى صفحة (27) من اليومية يؤكد " لابس فنلة خضراء".
ومن المؤسي الممض أنه قد تم استبعاد شاهد الاتهام الثاني حسب ترتيب يومية التحري .. نقصد المدعو مهيد عثمان إسماعيل فقط لأنه ذكر على صفحة (5) من يومية التحري "في واحد عامل بوب (فتحي محمد عبده) رمى علينا ملتوف وعمل فينا حريق في الدفار أوصافه: قصير عامل بوب شعره كثيف لابس قميص مسطر بني وبنطلون أسود وشايل شنطة".. الاستبعاد لمثل هكذا شاهد -أشار له المتحري أثناء تأدية شهادته وغيره من الشهود المستبعدين مما يُفقد الاتهام المصداقية والحيدة وهو محظور قانوناً بحكم السوابق وفقما سيرد لاحقاً_.
مولانا - الموقر
وما يهمنا عن الشاهد فرح محمد عبدالله قول زميلنا عن الحق الخاص " أن المتهم أقرَّ له ولزملائه بأنه هو الذي قام بإلقاء الملتوف على دفار إدارة شرطة العمليات".
تُرى لماذا لم يدفع الاتهام ولا الزميل عن الحق الخاص بأولئك (الزملاء)؟ هل هم شأن المتحري الأصلي والملازم أول الذي قام بعمل طابور التعرف (في مأمورية" .. ليت أن الاتهام او الحق الخاص أفتانا في ذلك لأهمية "الشهادة" بل وضرورتها.!
مولانا -الموقر
لقد بات من المؤكد أنَّ إفادات شهود الاتهام مشوبة بالكثير من الشكوك والعوار بالقدر الذي يستدعي مقولة القاضيين العالميين صلاح حمدي ولبيب حليم الذي استهللنا بها هذه المرافعة!
مولانا - الموقر
ثم أن زميلنا عن "الحق الخاص" احتكم للسابقة القضائية حكومة السودان ضد م/ع/أ – مجلة الأحكام القضائية 2013 ص(162) .. أوضح فيها ضرورة تقديم كشف شهود الغياب (ALIBI) في وقت مبكر إلا أن الذي لم يقل به أن هذا ما فعله المتهم حقاً في وقت مبكر إلا أن سلطات التحري تأبت عليه هذا الحق وقطعت عليه السبيل .!!.. إلا أننا نشير عرضاًً إلى أن العلامة د. كرشنا فاسديف أحد أشهر مفسري القانون الجنائي السوداني قد ذكر تحت عنوان "دليل الغياب" في كتابه الأشهر "أحكام الإثبات في السودان" ص(310) ما نصه: "للمتهم الحرية التامة في أن يفجر ما يدهش في هذا الشان بعد أن ينتهي الاتهام من تقديم أدلته للمحاكمة .. ويجب على المحاكم لدى تقرير الدفاع الذي يتمسك به المتهم من عدم وجوده بمكان الحادث، أن تضع في الاعتبار خلفية لنشأة المتهم"..
مولانا - الموقر
ذكر الزميل عن الحق الخاص أن المتهم نفسه قد ذكر أن (المحامين) قد زاروه ثلاث مرات تقريباً وهذا ما ينفي ما ردده الدفاع في الجلسة الأولى للسماع حينما ورد أنه قد "حيل بينه وبين المتهم طيلة الفترة السابقة" .. ونقول لم يحدد الزميل من هم أولئك المحامين لا اسماً ولا وصفاً .. أن محضر التحري وهو وثيقة رسمية يكشف بوضوح أنه قد تم رفض طلب المحامين لمقابلة المتهم بحجة لا يقرها القانون بتاتاً وبمقولة "أن في ذلك تأثير على التحري" حدث هذا في يوم 12/5/2016م .. و15/5/2016م و 2/6/2016 و 9/6/2016م .. فهل يقصد الزميل أن محامين – نجهلهم – قد زاروا المتهم من وراء ظهر النيابة .."زيارة على طريقة "السلام عليكم"... و"عليكم السلام"" وهل زيارة ممن (نجهل) و (بهذه الكيفية) تبقى زيارة بالمعنى الذي يرتب أثراً ما..! ومن أين لأولئك المحامين معرفة ما جرى ويجري على سبيل القطع والمتهم نفسه يجهل أسباب القبض عليه وإبقاءه بالحبس..!؟ .. وأياً كان الأمر فإن ظننا الذي كدنا أن نلحقه باليقين أن زميلنا عن الحق الخاص ما كان له أن يسمح لنفسه بالإدعاء ولو لوهلة أن تلك البينات المهترئة تكفي للقول بإمكانية إدانة المتهم تحت النص العقابي المقترح.! .. ولكن ما ذنبه وتلك حال البينات التي بين يديه.!
مولانا -الموقر
إنَّ واجب وأمانة المسئولية الملقاة على عاتق هيئة دفاع المتهم لتوجب علينا واجباً من الصعب تجاوزه وهو القول صراحة بأن إجراءات التحري في هذا البلاغ قد قَصُرت بالكلية عن أن تكون عادلة ومنصفة بحق المتهم برغم خطورة الفعل المنسوب إليه بل وافتقرت تلك الإجراءات للدقة المطلوبة .. كل ذلك خلافاً للوجوب الآمر المنصوص عنه في ذات الفقرة (ج) من المادة الرابعة من قانون الإجراءات الجنائية .. ويصدمنا ابتداءاً أنَّ من تولى تقديم إجراءات البلاغ أمام عدالتكم وأعني المساعد شرطة محمد الهادي إبراهيم قد قدم وقائع الدعوى بالإنابة عمن سماه ملازم أول "علي فتحي" .. والأمر الأكثر صدماً لهيئة الدفاع فإنها ما فتئت منذ تشكيلها تسعى لمقابلة المتهم دون طائل بالمخالفة البينة للوجوب المنصوص عنه في المادة "83"(3) من قانون الإجراءات الجنائية لسنة 1991م .. لقد مثلنا أمام عدالتكم ونحن نجهل تماماً واقع الدعوى ومركز المتهم القانوني فيها .. والأنكى أن المتهم نفسه -وفق سرده أمام عدالتكم – كان الأكثر تعاسة بهذا الإبهام والذي لا يتفق ومبدأ "الحق الذي أوجبته أحكام المادة "69"(1) من قانون الإجراءات الجنائية لسنة 1991م وهو أحد أهم معايير المحاكمة العادلة والذي أضحى مبدأً ذهبياً مستقراً إذ تنص المادة "9" (2) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية "يجب إبلاغ كل شخص يًقبض عليه بأسباب القبض عليه لدى وقوعه ويجب إبلاغه على وجه السرعة بأية تهمة تُوجه إليه" .. والمؤسي أن سلطة التحري – وحتى النيابة- أهملت ما يترتب على هذا الحق من ضرورة إبلاغ أسرة المتهم بنبأ القبض عليه ودوننا ما أبداه شاهد الدفاع الأول والد المتهم من حزن وأسى بسبب هذا العسف حتى ذهبت بالأسرة الشكوك مذاهب شر لا تُحصى .. إلا أن الأمر الذي مثَّل لهيئة الدفاع "الأكثر صدماً" على الإطلاق عدا ما تقدم وعداه مما تدركه عدالتكم الباصرة ومما سنتناوله بالتفصيل لاحقاً حينما نُفرز حيزاً لبينة الحصر (ALIBI) أو الغياب - ما جاء على لسان المتحري (البديل).. وهو بالتأكيد رأيه ورأي المتحري الأصلي ورأي رؤسائه بل والنيابة للأسف إذ يقول المتحري على صفحة (41) من محضر المحاكمة "المتهم نفى وجوده في مكان الحادث .. المتهم قال كان في البيت لحظة الحادث واستبعدت ذوي المتهم لأنهم شهود مصلحة"
... فيا هول ما نطق به المتحري؟!!!!لقد نصب المتحري نفسه قاضياً .. وفعل قبل سماع الحجة؟!!
إننا لنعجب - وحُقَّ لنا أن نعجب- "لشهادة" يتم رفضها قبل سماعها والالتقاء بأصحابها .. وممنْ؟ ... من سلطان التحري الواجب عليه التأكد من كل صغيرة وكبيرة .. وهل بدون هذا يُسمى التحري "تحرياً" أبداً.!؟ أضاعت سلطة التحري ومن ورائها النيابة حقيقة ما حدث بهذا "القرار" العجيب .. إنَّ هذا "التصرف" ليرقى حقاً لإعاقة عدالة التحري والذي هو بلا شك عرقلة لسير العدالة "Obstructing Justice" .. إنَّ المحكمة العليا وبتشكيل رفيع برئاسة مولانا العالم خلف الله الرشيد – طيَّب الله ثراه- أقرت من مبدأَ ذهبياً نص على: " تقتضي العدالة أن يعرض الاتهام كل ما في حوزته من بينات سواء كانت لصالح الاتهام أو الدفاع" "أنظر لطفاً مجلة الأحكام القضائية 1975 ص408" .. الكارثة المحققة أن سلطات التحري ومِنْ خلفها النيابة حالت بالكلية دون تواجد بينة المتهم داخل حوزتها إمعاناً في الحيلولة بينها وبين عدالة محكمتكم الموقرة!!أليس من حق المتهم أن يدفع بعسف التحري وظلمه وهذا مما يؤدي لشكوك كثيفة حول ما دفع به الاتهام من بينات فوق ما يشوبها من عيوب وعوار وفق ما سنتناوله في حينه!.. إننا كنا ندرك أن تلك العبارة الصاعقة التي وردت على لسان المتحري لقمينة بإقدام محكمتكم الموقرة باستدعاء شهود "غياب" المتهم إظهاراً للحقيقة حتى إن لم يفعل الدفاع!!
مولانا -الموقر
دفع الاتهام بأربعة شهود من أصل أكثر من عشرة – تناولنا إفادات بعضهم قبلاً- .. واقتطاع الاتهام باقي شهوده مما يثير الريبة وهو تكتيك يلجأ إليه الخصوم – عدا النيابة وهي خصم شريف يهمها براءة المتهم بمثلما يهمها الأخذ بيد الجاني الحقيقي- حينما يتسع فتق نسيج الأدلة تداركاً من الخصم حتى لا يتسع الفتق أكثر عند سماع مزيداً من الشهود ..!
إنَّ استبعاد هذا القدر من الشهادات فقط لأنه لم يأتٍ على هوى النيابة مما يفقد النيابة المصداقية والحيرة والحكمة التي توجب الاتصاف بها كما تقدم القول .. فالعدالة الجنائية ليست مباراة (It Is not a game) وفق المتفق عليه قضاءاً وفقهاً.
وحيث أن كل الصيد داخل الفراء فإننا نقول أن إفادات شهود الاتهام الثلاثة الأوائل جاءت في كثير من جزئياتها أمام عدالتكم بما يتناقض مع إفاداتهم بيومية التحري .. كما أنها على نحو عام – برغم التنسيق- تناقضت أيضاً بعضها مع البعض .. وذلك تفصيلاً على النحو الذي تناولناه عند الرد على مذكرة زميلنا عن الحق الخاص.
مولانا -الموقر
أما شاهد الاتهام الرابع ونعني فرح عبدالله فعدا ما ذكرناه قبلاً فإنَّ إفاداته في مجملها تفتقر المعقولية وتجسد استعراضاً بطولياً كاذباً بل وانتفاخاً وزهواً وانحيازاً ضد المتهم وتحدياً .. كل ذلك أفرغ شهادته من أية مصداقية وذلك للآتي من الأسباب:
(1) برغم محاولة الشاهد المستميتة للقول بأنه قد تعرف على المتهم بمجرد الوصف الذي تلقاه من الشكاة وهو وصف (مهتز) غير دقيق فإن في ثنايا إفاداته ما يُضعف بالحديث عن دور مبهم بعبارات عامة مبهمة أسماها "البحث وجمع المعلومات والرصد والمتابعة" .. ولم يوضح الشاهد وقائع هذا البحث ولا كنه المعلومات ولا الرصد والمتابعة .. ثم ثانية يلجأ للقول بأن لديهم مصدر داخل الجامعة .. تلك لعمري إدعاءات مرسلة يُراد لها أن ترتقي لرتق فجوات في شهادة ملفقة.
(2) لقد قطع هذا الشاهد بأن ليس للمتهم "شبيهاً" .. قالها بإطلاق وكأنما المتهم ينتمي لكوكب آخر أو أنه منقطع النسب منبت الانتماء وبلا شك فإنَّ الحكمة الشعبية المأثورة والنابعة عن عقل جمعي لخبرات متراكمة والقائلة "يخلق من الشبه أربعين" لتسخر حتماً من هذا الإدعاء المتحدي الفج!!؟ ويكذب هذا الإدعاء شاهد الاتهام الثاني علي سليمان إذ يقول في صفحة (86) من محضر المحاكمة "يعني في اثنين بيشبهوا المتهم شبه شديد" .. فتأمل؟!!!
(3) والأنكى أنَّ الشاهد يدعي ان المتهم عاصم قد أقرَّ له وعن طواعية بالفعل المنسوب له .. هذا إدعاء تكذبه شواهد كثيرة منها:
أ. ذكر الشاهد أنه قد قام بتدوين تلك الأقوال في ورقة .. وبرغم أهمية هكذا ورقة فإنها قد تسربت من بين يديه ولا يعرف لها مكاناً .. (أضاعها) بمثلما أضاع عموم شهادته بتلفيق يُحسد عليه! ... ولم يعثر "فرح" على تلك الورقة المزعومة برغم امتداد أداء شهادته لعدة شهور!
ب. ولو صحَّ إدعاء الشاهد بإقرار المتهم لَلزِم تكاثر الشهود إذ يؤكد هذا الشاهد أنه كان بمعية آخرين كثُر لاسيما وأنه يتحدث طيلة مثوله أمام المحكمة بلغة الجماعة .. ولم يتقدم أحد لأداء شهادة عداه وفقما سبق أن بينا ..!
ج. ولو صحَّ إدعاء الشاهد لأنحلت عقدة الدعوى دون مزيد إجراءات ولزم عندها أخذ المتهم عاصم فوراً لأقرب قاضي لتدوين اعترافه دون تأخير!
د. .. وعوضاً عن ذلك – إن حدث- إذ بالمتهم يبقى لأيام عديدة مديدة منذ 2/5/2016 وحتى 11/5/2016م .. إذ يزعم المتحري أنه قد تم القبض على المتهم عاصم في هذا التاريخ الأخير .. صحيح أن الشاهد يؤكد أن المتهم عاصم قد بقي ليومين بشعبة المباحث .. ثم إذا به يقول "أنا ما بعرف المتهم قعد كم يوم .. قعد مدة قدر شنو ما بعرف" .. حسناً ذلك هو دأب الشاهد فهو برغم حماسته لتوريط المتهم لا يعلم حتى تاريخ قبضه على وجه التحديد!؟
ه. أنكر الشاهد واقعة تعرض المتهم عاصم عند القبض عليه للضرب برغم أنه أدعى أن المتهم عاصم كان بصدد الاعتداء عليه بساطور كان يحمله.. لم يتخذ الشاهد أي إجراء برغم خطورة ما يزعمه.. وإنكار الشاهد لواقعة ضرب المتهم تكذبها بينة مستقلة وغير معابة وهي أقوال شاهدة الدفاع نفيسة محمد حسين وأقوال شاهد الدفاع محمد الوالي عمر على نحو أو آخر .. وهذا مما يُغري بل يؤكد صدق رواية المتهم الصاحية عما لحق به من تعذيب وإذلال يومئذٍ .. نعم فقد أُوثق وأُبرح ضرباً ولكماً وركلاً وزُجَّ به قذفاً داخل صندوق "بوكس" الشرطة على نحو لا يليق بل يقع مخالفاً لصحيح الإجراءات والقانون.! عندها تصح تماماً مقولة جون لوك والتي تنطوي على جوهر الحقيقة "حيثما ينتهي القانون يبدأ التسلط".. ما جرى للمتهم -وبعضه مشهود كما تقدم – ضمن أشياء أخرى هو في تقديرنا ما دفع بسلطات التحري بل والنيابة للحيلولة دون مقابلة بعض المحامين لاحقاً..!!
و. بل وصل الحد بشاهد الاتهام الرابع فرح محمد عبدالله لاختلاق ما ظنه دافعاً للفعل المنسوب للمتهم عاصم حينما اورد منسوباً للمتهم قولاً " أنا من جنوب دارفور" .. حين أن البينة كشفت "أقوال شاهد الدفاع الأول" أنه ليس ثمة ما يربط بين عاصم ودارفور سوى محبة أرض السودان أياً كان موقعها والشاهد أن أسرة المتهم تقيم في أمدرمان بحي الضباط شارع النيل بمثلما أقام أسلافهم لما يقارب القرن ونصفه دون انقطاع ولا علاقة لهم بدارفور مطلقاً.
.. وغير ما تقدم كثير مما لا يغيب عن فطنة عدالتكم من مختلق القول ومجافاته لسياق الأحداث!
مولانا -الموقر
ثمة عيوب ومآخذ كثيرة لازمت طابور التعرف على شخصية المتهم بل وسبقته بعض العيوب ولحقت به بعض عيوب لدى طرحه أمام محكمتكم الموقرة الأمر الذي يقعد بهذا الإجراء تماماً عن أن يرقى لبينة وذلك على النحو التالي.. وسنصطحب مذكرة هامة عن أشغال الشرطة العملية اعدها الفريق شرطة محمد الفضل عبدالكريم من جامعة الرابط الوطني في أبريل (2006) وتحديداً ما أورده فيها عن قواعد لازمة لإجراءات طوابير الاستعراف:
(1) لا تجيز الإجراءات للمتحري أن يعقد الطابور أو أن يقوم بدور فعال في إجراءات الطابور .. والصحيح أن يكلف ضابط آخر للقيام به في حضور الجهة القضائية (قاضي أو وكيل نيابة).. فإن كان الأمر كذلك فإنه بالأحرى ألا يقوم عدا من كُلَّف بإجراء الطابور بعرض مجرياته والشهادة بتلك المجريات أمام المحكمة والحقيقة المدوِّية أن إجراءات الطابور قام بها وفقما يبين من مستند اتهام (7) ذاته الملازم أول علي فتحي .. إن غياب هذين عن إجراءات المحاكمة يشي بشك كثيف! .. إنا لنزعم في الدفاع أن إجراءات الطابور وعرضها أمام محكمتكم الموقرة يقع منعدم الأثر قانوناً ناهيك عن أن يكون محلاً لوزن ليس له كما سنكشف لاحقاً.
(2) أحد أهم ضمانات طابور الاستعراف وبالذات في خطورة الفعل المنسوب للمتهم هو إخطار المتهم بنية عقد الطابور حتى يتسنى له حضور أي شخص يود حضوره كمحاميه أو صديقه .. ولكن هيهات فقد عزَّ المحامي والصديق بفعل متسلط من سلطات التحري والنيابة على وجه لا يقره قانون أو عدل!!
(3) الأصل أن يوضع المتهم بين 8 -10 أشخاص يشابهونه بقدر الإمكان من حيث الطول والشكل واللون والبنية ... هذا ما لم يحدث حيث يكشف مستند اتهام (7) أن خمسة من أصل ثمانية أشخاص تتفاوت أعمارهم بقدر كبير من عمر المتهم فاثنان منهم تجاوزت أعمارهم الثلاثين .. بينما كشفت بينة الاتهام نفسها أن أوصاف أولئك الأشخاص تختلف اختلافاً بيناً عن أوصاف المتهم من حيث اللون والطول والحجم.. علماً بأنّ أوصاف المتهم عاصم – لكونه ناشط سياسي معروف "بل وإنه زول بتاع شغب ومظاهرات كثيرة وشوهد كثيراً في المظاهرات" على حد قول المتحري وبعض شهود الاتهام- "أنظر لطفاً أقوال المتحري صفحة (34) ومابعدها " المتهم معروف وشوهد في عدد من المظاهرات. أوصاف المتهم تلك قد طفحت بها وسائل التواصل الاجتماعي و"البوسترات" والصور في الجامعات وغيرها من المواقع بل وحتى الأحياء السكنية وإن كان الأمر كذلك فما قيمة طابور التعرف إذن وما الحاجة له؟
(4) وبرغم ذلك فإن الأوصاف التي أدلى بها الشهود الذين مثلوا أمام المحكمة الموقرة بيومية التحري تجافي تماماً- كما تقدم القول- أوصاف المتهم عاصم .. هذه الأقوال تستدعي حكم السابقة حكومة السودان ضد صادق عبدالله سيد أحمد مجلة الأحكام 1963م ص(106) .. حيث يقول القاضي العالم أبو رنات -طيب الله ثراه- "أن الأقوال الأولى التي يدلي بها الشخص في يومية التحري تَفْضُل دائماً عن الأقوال التي يدلي بها في وقت لاحق عندما يكون الشاهد قد استمع لآراء آخرين يناقشون القضية معه ويتأثر بآرائهم؟".. وهذا ما قال به القاضي العالم عتيق – طيب الله ثراه- في السابقة المنشورة في مجلة الأحكام 1972" ص16، 17.
(5) إن محكمتكم الموقرة لتعي تماماً أن شهود التعرف هم من رجال الشرطة وكذا المرحوم الأمر الذي يثير غير القليل من الشكوك حول ما إذا تم تلقينهم وتنسيق الأمر معهم في ظل حقيقة أن هؤلاء الشهود في حقيقة أمرهم خصوم للمتهم عاصم وفق وقائع هذه الدعوى ولا يغيب المبدأ الأصولي الحاكم القاطع بأنَّ الشهادة للنفس لا يمكن قبولها طالما أن (الغيرية) المطلوبة لم تتوفر عملاً بأحكام المادة (23) من قانون الإثبات في تعريف الشهادة.
(6) - ذكر المتحري – والذي كان حضوراً عند إجراء طابور التعرف: "أكيد مافي زول كان في الطابور شعره بوب زي المتهم!".
(7) وإن كان ثم ما نختتم به هذه الجزئية فهو قول العلامة جلانفيل وليامز: "لا يمكن التوقع بأن التعرف بواسطة طابور الشخصية يجب أن يكون أداة أكثر سداداً للإجراء القانوني من إجراءات التحقيق أو الإثبات الأخرى ذلك لأنه عرضة دائماً لمخاطر الوقوع في الخطأ" – أنظر لطفاً أعلا صفحة (315) من أحكام الإثبات في السودان تأليف د. كريشنا فاسديف ترجمة هنري رياض وعبدالعزيز صفوت. ولا شك أن الخطأ وارد جداً في ظل حقيقة أنَّ طابور التعرف قد تم لما يقارب الأسبوعين على مرور يوم الحدث.. وتأخر الطابور لأسباب نجهلها حيث تم القبض على المتهم في 2/5/2016م دون إبداء أسباب لهذا التأخير مما يثير شكاً في صحة الإجراء وسلامته!!؟
مولانا -الموقر
برغم قسوة المعاملة التي واجهها المتهم عاصم وأدناها أنه ظل ومنذ القبض عليه بتاريخ 2/5/2016م وحتى حوالي 12/5/2016م – كما شهد والد المتهم- محشوراً في ملابسه المتسخة على نحو تنتفي معه كرامة معاملة المقبوض عليه والتي أوجبها القانون بنصوص آمرة فقد أبدى المتهم قدراً كبيراً من الصبر والثبات ضاناً ببراءته ان يُنال منها عسفاً مع كل ذلك العنت الممعن المستهدف قهره للتسليم بما أُملي عليه من محاولات للإقرار بالفعل المنسوب إليه .. إنَّ الصدق الذي تحلى به المتهم برغم كل شيء هو جوهر تمسكه بالحقيقة دون سواها .. وقد كشف المتهم لسلطات التحري ومبكراً جداً محل تواجده ببيت الأسرة والغرض الذي جعله يلازم بيت الأسرة بمعية والده وإخوته وغيرهم من آل بيته وعمر كمال وإبراهيم خالد الذين مثلوا أمام محكمتكم الموقرة وتواترت إفاداتهم على نحو كافٍ لترسي بينة غياب (ALIBI).. أعرضت سلطة التحري بمثلما أعرضت النيابة عن هذا الدفع الهام على الوجه الذي قلنا به قبلاً .. ونحن في هيئة الدفاع - وبما يشبه ضوءاً في قتامة المشهد وظلمه وظلامه- لنثمن عالياً أمانة المتحري مساعد شرطة محمد الهادي إبراهيم الذي لم يتوانى في معرض مناقشته عن الإفصاح الصادق عن سبب الإعراض عن البحث في تلك البينة الهامة. برغم عدم قانونية السبب بل وتنكبه سبيل القانون ومسار العدالة .. إلا أنَّ مؤدى الإقرار بهذه الواقعة الهامة جداً من قبل مساعد الشرطة مما يفي بشرط مطلوب وهو الإفصاح عن "دفع الغياب" .. ويكون المتهم بذلك قد أدى ما عليه برغم أن مولانا عماد الدين الجاك في مؤلفه "حجة الغياب وأثرها في الإثبات" قد خاض في هذا مبيناً ص(18) من سفره القيم "بعد الإطلاع على عدد كبير من أحكام القضاء الهندي والباكستاني والأمريكي نجد أن قضاة المحاكم العليا في تلك البلدان قد تعاملوا مع هذه النقطة في اتجاهين مختلفين تماماً وصدرت أحكام عديدة لم تتفق بعضها مع البعض الآخر حول هذه النقطة .. وسوف نلاحظ أن أصحاب كل رأي من قضاة المحاكم العليا قد استند إلى حجة قوية وسند منطقي لدعم وتأييد رأيه .. الخ" "أنظر لطفاً الصفحات (18،19،20) وما بعدها" ثم الصفحات (70،71،72) وما بعدها من المرجع المذكور أعلاه.
وقد يقول قائل لماذا لم يهرع شهود الدفاع للمتحري أو النيابة لعرض حجة غياب المتهم؟ ونقول فلنفترض تقاعسهم فهل يعني هذا ضياع حق المتهم عاصم والذي أبدى باكراً دفعه هذا مقروناً بأسماء لأشخاص عددهم حصراً؟ إن الإجابة لا تحتاج لجهد أو قل هي بمثلما يقول الفرنجة "It goes without saying" .. وبرغم كل شيء فإنَّ الطريق أمام هؤلاء الشهود لم يكن ميسراً - ناهيك عن أنهم ما كانوا يدركون تفاصيل الحدث - ولا حتى متاحاً عبَّر عن ذلك والد المتهم عاصم بقوله "ما كانوا بدونا وش" .. لقد ظلت سلطات التحري والنيابة تضنان على أهل المتهم حتى بمجرد معلومة تطمئن أهل المتهم ومعارفه .. لقد تقاعست سلطة التحري وكذا النيابة عن واجباتها على نحو لا يقره قانون ولا عدل ولا عرف!! .. ولم يقف الأمر عند توفر بينة الغياب القوية وحدها بل آزرتها بينة غياب أخرى تمثلت في أقوال شهود النفي الرابعة نفيسة محمد حسين وحسن الضي محمد عبدالله وفتحي محمد عبده شبيه المتهم عاصم .. كل هؤلاء "لصقاء" بعاصم وخلصائه "وشلته" .. وهم يؤكدون على وجه قاطع بعدم تواجد المتهم عاصم في عصر الأربعاء 28/4/2016م في موقع الحدث .. وبهذا تبقى حجة غياب المتهم عصية جداً على الطعن فيها حين أن درجة الإثبات بحق المتهم عاصم لا تتطلب كل هذا القدر من البينة بل يكفي قدراً ضئيلاً!!.
مولانا - الموقر
لولا المحاذير التي أوردها مولانا العالم زكي عبدالرحمن في السابقة حكومة السودان ضد عوض بكار في مجلة الأحكام القضائية 1982م صفحة (158) لاستغرقنا بعض الجهد في استهداف رؤية الاتهام القائلة بالقتل العمد .. ذلك وعلى سبيل المثال فقد شهد شاهد الاتهام الثاني وغيره بأن "الدفار" الذي كان يعتليه المرحوم "حسام" وصحبه كان متحركاً .. وسواء كان الدفار متحركاً ببطء أو خلافه فإنّ المعقول المقبول أنَّ من استهدف "بالمولوتف" أياً كان -عدا المتهم عاصم- قد استهدف مركبة الدفار دون أن يستهدف راكبيه أي أن نية القتل وقصده (mens Rea) ساعتئذٍ تستعصي على التصور!! وعوضاً عن ذلك فقد لازمت إجراءات التحري خيبات كثيرة أهمها ضعف البينة الفنية بل ولم يجرؤ الاتهام على تقديم أي خبير فني متخصص او حتى طبيب شرعي حاذق.!
مولانا - الموقر
لما تقدم من أسباب أو لأية أسباب أخرى تراها عدالتكم الباصرة فإن المتهم الطالب "عاصم عمر حسن" والذي يستشعر غير القليل من الغبن والضيم ... ليلتمس إعلان براءته مما هو منسوب إليه.
ونختم بقول الحق جلَّ وعلا " وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ "الآية (123) سورة هود
وتقبلوا سعادتكم وافر تقديرنا واحترامنا
No comments:
Post a Comment