Tuesday, November 6, 2012

مقالات فى نقد تجربة التدين الكتابى المنحرف 1-3

مقدمة

بدأت هذه السلسة من المقالات فى اطار من الحوار الذى كنت اظنه سيكون متمدنا وحضاريا مع المسيحيين العرب , والمقيم اغلبهم فى المهجر الاوربى الامريكى . لكن سؤ ادبهم , واعتدائهم وتطاولهم على الاسلام ورموزه بما هو اسوأ بكثير مما يظهر بين حين وحين فى الاعلام , ولن يكون آخره ذلك الفيلم السخيف لخنازير المهجر.

كل ذلك هو مادفعنا للبحث الجاد فى منطلقاتهم كمحالفين, لنخوض معهم معركة مستمرة على عدة جبهات, لكن جبهة موقع الحوار المتمدن تبقى هى الاهم, فالموقع يضم اكبر رؤس الكفر والاساءة للاسلام على مستوى العالم فى وقتنا الحالي, وهى إساءات تمارس بشكل يومى فى هذا الموقع الذى يتيح حرية مطلقة للتعبيرأشهد انها لا تتوفر فى غيره

الحوار بيننا وبينهم حرب سجال, يعرضون شبهنا ونتعرض الى شبههم, حاولوا استغلال فكرة ان المسلم لن يجروء على شتم المسيح كما يشتمون هم رسولنا, على اساس اننا لانفرق بين احد من رسله, لكنهم فوجئوا بان فريقنا يتحدث عن يسوع وليس المسيح وبشكل خال من القداسة تماما, وهو شخص مختلف عن المسيح الذى حدثنا عنه القرآن! ويعتقدون انه احد آلهتهم الثلاثة!

نقاشاتنا معهم انتهت الى طريق مسدود, لكن فرجة من الامل بعثها فى قلبى كلمة لا اعرف كيف فلتت من احد اساطينهم , ففى حوار على موقع كاتبهم المرتد (-------) وهو اردني الجنسية , فاجئتهم بنص من انجيل يوحنا اثبت به ان هناك خلط كبير ببن شخصية المسيح عيسى بن مريم, وشخصية يسوع الذى لم يكن ابنا لسيدة اسمها مريم اصلا, والذى يتصل نسبه بداؤود عن طريق الرجال وفقا للاناجيل ما يدل على ان امه لم تكن عذراء اضافة الى ان اسم مريم هو اسم خالته وليس اسم امه

اما م هذه الحقائق المذهلة حتي لي شخصيا لم يجد احد كبراءهم الا يقول لي ( لقد افحمتنا) !

كلمة واحدة فقط ! ووضع لى معها رابطا لحلقة نقاش بين شاب سوداني يناظر المرتد المغربي الشهير المدعو بالاخ رشيد فى قناة الحياة ! ولا اعرف لماذا؟

بعد فترة طويلة جاء رد من احد المسيحين يحاول تبيين الفرق بين مجموعة( مريمات) من كتابهم, وقال كلاما لا يمكن ان يقنع طفلا !

لست ضد المسيحين, لكنى ضد المسيحية الصليبية والتى تمثل فى تقديرى وجه العملة الآخر لتيارالتطرف الاسلامى , كلاهما مدرسة تسوق الغيبوية الى عالمنا, تؤسس للكراهية والتطرف وسيادة العنف فى مجتمعاتنا, كليهما يدعي امتلاك الحقيقة , معاد للانسان

لست داعية ايضا , فالدعوة عمل يتحاوز قدراتي , وتحتاج الى قلب يمتلىء بحب الناس, وفى مثل هذه المعارك لايبقى فى قلبك حب . ولكن عداء واستقطاب

و التجربة كانت مفيدة , فقد انتجت مجموعة من المقالات التى تعرضنا فيها للنزعات المادية فى مجمل تجربة التدين المسيحى, العلاقة بالسياسة باعتبارها اصل المشكلة فى انطلاق الفكر الصليبى الذى هو ابن شرعى لتجربة الفكر المسيائى النكوصى الارجائى المنحرف التى انتجها عقل مهزوم يعكس معاناة تجربة يهود مابعد السبى البابلى قبل لميلاد

المقالات بدأت بمقال عادى خال من روح البحث يطرح تساولات عامة عن الاناجيل, وعن كونها ليست منزلة وانما مكتوبة بواسطة مجهولين ( منشور), ظهرت بعد المسيح بفتره, ثم مقال عن تجربة المسيح فى الدعوة وعلاقتها بالسياسة( القادم) ,ثم مقال يتناول الساعات الاخيره قبل القبض على يسوع, ثم مواقف تلاميذه بعد القبض عليه, مشككين فى دوافع كثير منهم, ومشككين ايضا فى قصة خيانة يهوذا والدوافع الشخصية التى جعلت بعض التلاميذ يكيدون له(جاهز) , لننتهى الى اثبات ان يسوع الذى صلب , لم يكن هو المسيح بن مريم

ولنبدأ بسم الله

.....

ظهر الفكر أو العقيده المسيائية

(messianism)

بعد سقوط الدولة اليهودية , وماتبعه من تشتت اليهود فى فتره الاسر البابلى فى القرن السادس قبل الميلاد, هذه المحنة التى كان لها اكبر الاثر فى الكيان السياسى والفكرى الذى يجمع اليهود كان لها اكبر الاثر كذلك فى ظهور العقيدة المسيائية التى تقوم على ان الله سيبعث لهذه الامة من يجدد لها هيكلكها ويقيم الدولة ويهزم مضهدى اليهود

عموما يمكن ان نقول أن الفكر المسيائى هو وليد لفترة من فترات الانهيار الحضارى فى تاريخ الامم, وهى فترات الهزيمة التى عادة ماتنجب فكرا منخفضا او منحطا, يشبه السفوطائية مثلا التى ظهرت فى فترة هزيمة اليونان امام زحف فارس التى تراجعت فيها كل مظاهر العظمة والتفوق الاغريقى المعروف

ملاحظات على هذه الفكره:-

هى فكرة تقوم على ان هناك شعب الله المختار الذى ينبغى ان يظل ( نظيفا) فلا يختلط بغيره من الشعوب

فكرة شعب الله المختار ستنتج حتما فكرة اخرى شبيهة هى فكرة ان هناك ارض موعودة

تقوم الفكره على ان الملك الموعود من نسل النبى داؤود, وبالتالى فان النبى القادم ليخلص الشعب المختار سيكون بالضرورة ملكلا لهذا الشعب

فالمسيح سيظهر فى فتره من فترات الانهيار الحضارى لامة اليهود, فتره تميزت بقلة التدين عموما وانتشار الفكر الارجائى المنتظر , وانحراف بين عن شريعة موسى نتيحة لضياع أصول التوراة

ثم ظهر المسيح

ولكن على غير المتوقع منه لم يكن راغبا فى فى ان يكون ملكا لليهود. لم يكن راغبا فى الانضمام الى سلك الكهنوت اليهودى الذى عادة يقوده ملك الامة ونبيها

يجب ان نلاحظ هنا ان اليهود هم الامة الوحيدة التى يقودها الانبياء, (كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء كلما هلك نبي خلفه نبي وإنه لا نبي بعدي وستكون خلفاء فتكثر قالوا فما تأمرنا قال فوا ببيعة الأول فالأول وأعطوهم حقهم فإن الله سائلهم عما استرعاهم) البخاري (3268)

طبيعة الخيارات التى كانت امام المسيح:-

ا/ اتخاذ خيار المواجهة مع اكثر من عشرين الف كاهن 1فيقتل بتهمة اثارة الفتنه تماما كما حدث ليوحنا فى نفس الفتره التى بدأت فيها دعوة المسيح

2/ ان يقبل الدخول فى اطار السلك الكهنوتى فيصبح ملكا ماسيجعله فى مواجهة مباشره مع الدولة الرومانية التى كانت تتحسب لظهور ملك يهودى يعيد الدولة

3/ ان يقبل بالدخول فى السلك الكهنوتى فى مقابل ان يكف عن نقد اليهود, وان يتنكر لمشروعه التجديدى برمته , ويقبل يما اعتبره تحريفا للشريعة وهدما للتوراة , ويحول الصراع برمته الى صراع قومى بين الدولة الرومانية وبنى اسرائيل

يبدو ان الخيار الرئيس للمسيح كان هو خيار مواجهة الكهانة اليهودية شكلا منهجا ,( ويعتبرها انحرافا عن التوراة ماجعل اليهود يواجهونه يسؤال اساسى هو ما اذا كان يؤمن بالتوراة حقا؟) 3تخبرنا الاناجيل ان الرد كان دائما يعبر عن الاتجاه الذى اختاره المسيح فى تأكيد فكرة انه جاء اساسا ليجدد الدين على اسس ستتناقض بشكل رئيس مع اتجاه التدين الشكلى الذى كان قائما فى تلك الفتره

ما جئت لانقض الناموس, يقول المسيح(لا تظنوا اني جئت لانقض الناموس او الانبياء.ما جئت لانقض بل لاكمّل)

متى 5-17

وفى انتقاده للمؤسسة كان يقول(ويل لكم ايها الكتبة والفريسيون المراؤون لانكم تغلقون ملكوت السموات قدام الناس فلا تدخلون انتم ولا تدعون الداخلين يدخلون.)

ماكان يريده المسيح هو ان يفتح باب الايمان للجميع, ولهذا لم يتورع عن الاكل مع الخطاة ومعالجة الناس فى يوم السبت , والامتناع عن الغسل قبل الاكل , لأن الدين ليس قضية شكلية وانما هو تجاوز تلقاء ايمان عميق يخلص الروح ويفتح ابواب السماء

(ويل لكم ايها الكتبة والفريسيون المراؤون لانكم تنقون خارج الكاس والصحفة وهما من داخل مملوآن اختطافا ودعارة.)

والرسالة هنا هى تجاوز كافة اشكال النفاق وتنقية الذات باتجاه التدين الحقيقى وليس التدين الذى يجعلهم مثل المقابر (تشبهون قبورا مبيضة تظهر من خارج جميلة وهي من داخل مملوءة عظام اموات وكل نجاسة.)23-27 متى

الرسالة التى اراداها المسيح اذا متناقضة بشكل رئيس مع الاتجاه الذى كان يقوم عليه مسار التدين الذى تقوده المؤسسة التى يمثلها كبار رجال الكهنوت اليهودى , الذين اسسوا لفكر ارجائى نكوصى يقوم على ان يبقى الوضع كما هو عليه حتى حضور المخلص , والذى سيتعين عليه تأكيد مكتسبات هذه المؤسسة فى قيادة الدنيا والدين , بينما المفاجأة التى فجرها المسيح هى رد سلطة المؤسسة الى اتجاه التدين الحقيقى تلقاء الله ومحاربة اشكال الشرك الشعائرى والسياسى السائدة عبر تجربة نقدية ستهدم كل سلطان الا سلطان الدين

من اهم مظاهر الشرك الشعائرى السائد فى تلك الفتره كانت مسالة عبادة القبور (يل لكم ايها الكتبة والفريسيون المراؤون لانكم تبنون قبور الانبياء وتزيّنون مدافن الصديقين.)

لقد كان اليهود يعتدون كثيرا بمسالة قبور الانبياء والصالحين, ويبدوا انهم مع تطاول العهد وابتعادهم عن اصل التوراة صاروا يطفون او يصلون بها او ربما عليها, وهى مسالة سيحذر منها النبى محمد صلى الله عليه وسلم ايضا عندما يبعث

اذا من الطبيعى ان ينشأ صراع بين سلطتين , سلطة المسيح الذى يريد ان يعيد السلطة من العباد فيردها الى رب العباد

وسلطة المؤسسة الكهنوتية التى تريد ان تبقى ممثلا شرعيا وحيدا عن الله فى الارض, فتغلف ابواب السماء حتى لا يمر اليها شىء الا بواسطتها

مفهوم السلطة فى عقل المسيح

لقد واجه اليهود قوة المسيح الروحية الساحقة ومنطقه القوى بقوة مضادة تكاد تساويه, فقد كان على المسيح ان يجيب على كثير من الاسئلة المحرجة التى لو تقاعس عنها لفشلت تجربته فى مهدها, فان كان المسيح مؤمنا بالتوراة حقا ولم يأت لينقضها, وانما ليبنى عليها ويجددها فأن التوراة تقول بأن من سيقوم بهذه المهمة يجب ان يكون ملكا لبنى اسرائيل

فهل انت ملك ؟ وماهو رأيك فى السلطة الرومانية الوثنية؟

قبل الاجابة على هذه الاسئلة , يعن لى سؤال آخر واعتقد انه مهم وهو هل كان المسيح يحمل مشروعا سياسيا مع رسالته الروحية؟ وهل كان تركيزه على المسألة الروحية يعبر عن تفكير رجل استراتيجيا يخطط ويتحين لاقامة مملكة يحكمها باسم الله وفقا لشروطه هو وبعيدا عن سلطة محتكرى ابواب السماء من رجال الكهنوت ؟ واهمية هذا ستنفى بالضرورة مسالة الصلب

لقد واصل الكهنة تربصهم بالوجود الثقيل للسيد المسيح الذى فضح مخططاتهم السلطوية , واصبح الصراع بينهم وبينه يتجه الى فكرة استئصال هذا الوجود عبر سلاح القتل الذى واجهوا به يوحنا المعدان

سأستدل هنا بحادثة واحدة فقط وهى حادثة تكشف مستوى حدة الاستقطاب الذى ساد الحالة العامة فى تلك المرحلة

فى لوقا (اجاب يوحنا وقال يا معلّم رأينا واحد يخرج الشياطين باسمك فمنعناه لانه ليس يتبع معنا.)

(فقال له يسوع لا تمنعوه.لان من ليس علينا فهو معنا)9-49-50

فى مرحلة لاحقة وعند توفر الطروف المناسبة سيقول المسيح قولته الشهيرة التى استعارها الرئيس بوش فى حربه على العالم وهى ان ( من ليس معنا فهو ضدنا) لكن الفكره هنا انه لاحاجة لاستعداء اى شخص طالما لم يعتدى ولم ينضم الى فريق الاعداء ضد جماعتنا , اذ يكفى فقط صراعنا مع ماتمثله مؤسسة الكهنوت , ذلك ان مفهوم الاتباع ( فى كل الاديان) ليس مسالة بهذه الحرفية التى اراداها يوحنا, لان الاتباع هو اتباع التعاليم وليس بالضرورة هو اتباع حرفى للمعلم كما يفعل التلاميذ

اعط ما لقيصر لقيصر:-

الحادثة الثانية التى تدل على اتجاه الصراع بين المسيح ومناؤيه منحا استئصاليا يتوخى التخلص منه باى بطريقة هى الحادثة التى روتها الاناجيل

يقول لوقا (فراقبوه وارسلوا جواسيس يتراءون انهم ابرار لكي يمسكوه بكلمة حتى يسلموه الى حكم الوالي وسلطانه.)20-20

لقد اصبح الصراع الان يتخذ اشكالا لاتختلف كثيرا عن اساليب الانظمة الشمولية فى عالمنا, ومحاولة الاختراق الاستخبارى هذه يقوم بها جواسيس محترفون يتخفون فى صورة ابرار يبحثون عن الحقيقة

لكن لوقا لم يتوقف هنا, هاهو ذا يكشف ابعاد الموامرة بكل تفاصيلها

(فسألوه قائلين يا معلّم نعلم انك بالاستقامة تتكلم وتعلّم ولا تقبل الوجوه بل بالحق تعلّم طريق الله.)20-21

(أيجوز لنا ان نعطي جزية لقيصر ام لا.)20-22

فشعر بمكرهم وقال لهم:- لماذا تجربونني.؟

أروني دينارا.لمن الصورة والكتابة.؟

فاجابوا وقالوا :-لقيصر.

فقال لهم :-اعطوا اذا ما لقيصر لقيصر وما للّه للّه.

فلم يقدروا ان يمسكوه بكلمة قدام الشعب.وتعجبوا من جوابه وسكتوا

ان قراءة سريعة فى هذه الحادثة ستكشف لنا عبقرية المسيح وسرعة تخلصه من هذا الموقف المحرج الذى اراد فيه الاعداء ايقاعه فى مواجهة مباشرة مع السلطة الرومانية المحتلة , عبقرية المسيح تكمن فى انه احتفظ بموقفه المناقض للسلطة دون ان يستثير حفيظتها من خلال لغته التى يعلم اهل العلم من تلاميذه مقدار ماتحمل من مجاز , حيث يختفى المعنى دائما خلف المرئى , حيث ليس بامكان احد رؤية اللامرئى الا ان يكون قادرا على النفاذ الى ماوراء الكلمات

فالمسيح فى هذه المقولة كان يتحدث عن صورة قيصر وعن كتابة قيصر , ولم يكن يتحدث ابدا عن تقسيم السلطة العليا فى المجتمع بين قيصر والله, المسيح لم يجب هنا عن سؤال الضرائب , ولكنه تحدث بشكل عائم كأى سياسى يخرج من معضلة بشكل يجعل الجميع منتصرا فلا يستثار احد

مملكة الله:-

لقد استمر المسيح يمارس منهج المواجهة والتخفى لادراكه جيدا ان العقيدة المسيائية السائدة كانت هى التى تتحكم فى تجربة التدين المنحرف الذى انحط اليه يهود مابعد السبى

لقد اراد المسيح ان يقرر ان مسألة الملك هى مسألة ينبغى ان يقررها الواقع وطبيعة الصراع وليس الافكار المسبقة التى توارثها اليهود بعد ان اسقطوا عليها امنياتهم وعللهم النفسية والعرقية وغضبهم على العالم الذى اضهدهم

اهم الافكار التى طرحها فى هذا الصدد:-

فك الارتباط بين مفهوم الملكوت الايمانى ومفهوم الملك الدنيوى(ان ملكوت الله ينزع منكم ويعطى لامة تعمل ثماره) والامثلة كثيره فى الانجيلات

وبالتالى فإذا أنفك هذين المفهومين المترابطين حد الترادف فى الفكر المسيائى والعقيدة اليهودية التى يسوس فيها الأنبياء الناس, يصبح من السهل تحطيم الفكرة الراسخة والاهم فى هذا الفكر وهى

أن ارتباط الملك الدنيوى ب آل داود هو مسالة ليست حتمية ينبغى ان يقوم عليها الدين , ولقد ورد فى الانجيل:0

(وفيما كان الفريسيون مجتمعين سألهم يسوع قائلا :-ماذا تظنون في المسيح.ابن من هو

.قالوا له ابن داود.

قال لهم:- فكيف يدعوه داود بالروح ربا ؟

ثم يواصل المسيح محاورته الذكية ليفجئهم بالسؤال الذى سيوقعهم فى حيرة واشكال وهو:-

فان كان داود يدعوه ربا فكيف يكون ابنه.؟(المحاورة فى متى من22- 41-46)

اى ان البنوة الجسدية لاينبغى ان تكون هى المعيار الذى تتأسس عليه السلطة العليا فى مجتمع ما, وان قضية مثل مسالة ملكوت الله لاينبغى ايضا ربطها بالسلطان السياسى لبيت دأؤود, أو أى بيت آخر فى أى زمن آخر

هذه الافكار فى تقديرى هى التى سعى المسيح لتأكيدها فى إطار الرسالة التى أراد أن يبثها ضمن تعاليمه التى كان من شأنها إستئناف دورة التدين التى اتقطعت بذهاب التوراة, وهى ذات الافكار التى ادرك أن من شأنها ان تقلب الوضع المستقر الى مايشيه ثورة كبرى ودعوة مفتوحة للفوضى

اما التخفى فسنعود الى اليه, واما الفوضى فقد رأينا جانبا منها, واما الثورة فقد تحققت

الثورة:-

يخبرنا متى والاناجيل ان المسيح دخل اورشليم على جحش , فى مشهد يشبه دخول القادة المنتصرين4, يبدو ان الدعوة كانت قد انتشرت بشكل كبير رغم التربص والمعوقات التى تحدثنا عنها, حتى ان متى قال(ولما دخل اورشليم ارتجّت المدينة كلها قائلة من هذا. فقالت الجموع هذا يسوع النبي الذي من ناصرة الجليل)

بل ان متى صور لنا الجموع الغفيره وهى تفرش الارض بثايبها امام النبى القادم هم يصرخون مرحبين (والجمع الاكثر فرشوا ثيابهم في الطريق.وآخرون قطعوا اغصانا من الشجر وفرشوها في الطريق. والجموع الذين تقدموا والذين تبعوا كانوا يصرخون قائلين أوصنا لابن داود.مبارك الآتي باسم الرب.أوصنا في الاعالي.)

فالمسيح اذن قد انتصر حتى انه( ودخل يسوع الى هيكل الله واخرج جميع الذين كانوا يبيعون ويشترون في الهيكل وقلب موائد الصيارفة وكراسي باعة الحمام)

لقد بلغ المسيح من القوة انه صنع صوتا من حبال وطرد به من يزاولون تجارة الغنم والصيرفة فى داخل الهيكل حيث يقول لوقا(فصنع سوطا من حبال وطرد الجميع من الهيكل.الغنم والبقر وكب دراهم الصيارف وقلب موائدهم.)

ربيع المسيح

سنرى ان المسيح الذى أتحدث عنه لاعلاقة له بيسوع الأنجيلات, فيسوع فى ظنى هو شخص آخر غير المسيح الحقيقى وقناعتى ان ثمة لمحات او اشياء من كليهما يمكن الامساك بها عبر دراسة دقيقة لهذه الكتب

ان احد الاسئلة التى سنحاول الاجابة عليها هى ما ان كان قد تم ابتكار هذه الشخصية المسماة يسوع لسد الثغرات العقدية التى نتجت عن حيرة او حالة من الشك العميق فى شخصية المصلوب والتى تختلف دون شك اختلافا كبيرا عن شخصية النبى عيسى المسيح عليه السلام الذى رفعه الله اليه ( سنبين ذلك)

قلنا ان المسيح قد حقق ربيعه الخاص بانتصاره على المؤسسة الكهنوتية وان دخوله الانتصارى الى اورشليم كان اشبه مايكون بانتفاضة شعبية , فقد استقبله الناس بشكل مبهر , حتى انهم قد فرشوا الارض تحت قدمية بشكل فعلي بأثوابهم و بأغصان الأشجار وبالهتافات , وانه دخل هيكل الله او المعبد واخرج جميع الذين كانوا يبيعون ويشترون في الهيكل وقلب موائد الصيارفة وكراسي الباعة

وقلت فى آخر المقال السابق (المسيح والسياسة) ان المسيح بلغ من القوة انه صنع صوتا من حبال وطرد به من يزاولون تجارة الغنم والصيرفة فى داخل الهيكل حيث يقول لوقا

(فصنع سوطا من حبال وطرد الجميع من الهيكل.الغنم والبقر وكب دراهم الصيارف وقلب موائدهم.)

تخبرنا الاناجيل كيف التقت مصلحة المؤسسة الكهنوتية التى بدأ نجمها فى الغياب ومصلحة الدولة الرومانية المتحسبة اصلا لاى تمثلات قومية قد تفرزها ظاهرة الصعود السريع للسيد المسيح الذى اصبح عمليا هو الملك غير المتوج على الشعب الاسرائيلى , سيما وان تعاليمه كانت قد ركزت على فك الترابط المقيم بين مقولات الملكوت باعتباره مفهوما ايمانيا سماويا وبين مسالة الملك كمسالة ارضية متعلقة بالسياسة , وبالتالى لايجب ان تحتكر فى بيت داؤد كما كان سائدا( انظر التفصبل فى مقال المسيح والسياسة)

المؤامرة:-

فالمؤامرة كانت قد بدأت قبل القبلة ( المقدسة) التى سلم بها يهوذا ابن الانسان بكثير, غير ان المصادر تخبرنا عن شكوك عميقة تجاه شخصية هذا الرجل المدعو يهوذا, فيهوذا وفقا لانجيل متى هو احد اخوة المسيح (أَلَيْسَ هَذَا ابْنَ النَّجَّارِ؟ أَلَيْسَتْ أُمُّهُ تُدْعَى مَرْيَمَ وَإِخْوَتُهُ يَعْقُوبَ وَيُوسِي وَسِمْعَانَ وَيَهُوذَا؟)

اضافة الى ان هناك يهوذا آخرهو المشار اليه كخائن وهو يهوذا الاسخريوطى هى تسمية خاطئة وفقا للدكتور كمال الصليبي اذ انه ينسب الى (القرية ) وهى المكان الذى اتى منه وهو منطقة (قرية) فى بلاد عتيبة بوادى لية من بلاد الطائف بالمملكة السعودية الحاليه, وبالتالى هو( يهوذا القريوى) فى اصلها الآرامى , كان من كبار رجالات المسيح , ولكنه كان مكروها من بعض التلاميذ الذين كانوا يغارون منه لكونه امينا للصندوق ومسئولا عن الانفاق على الدعوة والتلاميذ

يمكن ان نستنتج ان يهوذا الصيرفى كان رجل اعمال ولديه معرفة جيدة بمسائل الاستثمار و كان يتمتع بحس اجتماعى معقول اذا فى الوقت الذى طالب بترشيد الانفاق وحسن تدبير المال من اجل الناس تجد ان يوحنا يتهمه بالسرقة دون اى مبرر ولا بينة, ففى حديثه عن العطر الذى دهنت به المرأة قدمى المسيح قال يهوذا(لماذا لم يبع هذا الطيب بثلاث مئة دينار ويعط للفقراء.)

اما تعليق يوحنا على هذا الرأى فكان(قال هذا ليس لانه كان يبالي بالفقراء بل لانه كان سارقا وكان الصندوق عنده وكان يحمل ما يلقى فيه.)!!!

ان التفسير الذى يمكن القول به هنا ان غيرة التلاميذ من بعضهم وخلافاتهم هى التى انتجت لنا قصة الخيانة المضطربة هذه, ربما هى رغبة يوحنا وبطرس فى ان يكونا امناء للصندوق باعتبارهما كانا من اوائل التلاميذ الذين تبعوا المسيح, وهى خلافات ستمتد الى مابعد المسيح حيث تطهر معضلة الخليفة الذى سيكون مسئولا عن كنيسة أورشليم, يخبرنا التاريخ ان بطرس الذى وجد نفسه غير مستحق لوظيفة الرئاسة الكنسية لكونه ليس داودى النسب لم يكن راغبا فى ان يتولى يوحنا هذه الوظيفة بعد المسيح, وانه استدعى يعقوب بن زبدى اخو يوحنا والمعروف باسم اخ الرب,2 والذى تسلم المهمة فعلا كأول خليفة للمسيح على كنيسته, ثم اصبح هو مساعدا ليعقوب

المربك هو ان يعقوب اخو المسيح يظهر فى بعض النصوص باعتباره اخو يوحنا ايضا وهما ابني زبدي الذين طلبا ان يكونا احدهما عن يمين الرب والآخر عن يساره فى الابدية او شىء من هذا القبيل, غير ان المسيح حذرهما من لهذا ثمنه الكبير الذى قد لايكون يامكانهما تحمله

يقول متى ((ولما كان الصباح تشاور جميع رؤساء الكهنة وشيوخ الشعب على يسوع حتى يقتلوه.)متى 27-1

المسيح اذن كان قد صدر الحكم بضرورة ان يقتل واصبحت هناك اجتماعات تعقد بشكل مخصوص للتباحث فى انجع الطرق والوسائل والتوقيتات لقتله ( هناك نص يطالب فيه احدهم بعدم قتله فى العيد), لكن المشكلة كانت هى ان المسيح الان قد اصبح قويا , ليس فقط لكثرة اتباعه, ولكن بقوة ايمانهم وشديد اتباعهم

(وإذ كانوا يطلبون ان يمسكوه خافوا من الجموع لانه كان عندهم مثل نبي/ متى21-46)

المواجهة:-

و المسيح لم يكن راغبا فى الموت كما تصور أتباعه, لعله كان يظن أنه يمكن مواجهة المؤامرة ووأدها فى المهد, بدليل أن لغة المحبة ومن ضربك فى خدك قد تحولت الآن الى :-

وفقا للوقا(ثم قال لهم حين ارسلتكم بلا كيس ولا مزود ولا احذية هل اعوزكم شيء.؟

فقالوا لا. ؟

فقال لهم لكن الآن من له كيس فليأخذه ومزود كذلك.ومن ليس له فليبع ثوبه ويشتر سيفا.) الى ان يخبرنا(فقالوا يا رب هوذا هنا سيفان.فقال لهم يكفي)

هذه الحوارية تبين ان المسيح كان يستعد فعلا لمواجهة قد ينتج عنها قتال بشكل من الاشكال

تخريمة لابد منها:-

ولكن قبل ان اكمل اريد ان اقول ان السيوف المذكورة فى هذه الحوارية عادة ما تفسر باعتبارها سيوفا روحية فى المصادر المسيحية ولا أعرف ما الذى قد يجعل هذه السيوف روحية بينما الثياب التى ستباع لشرائها ليست كذلك! ولو أن الثياب التى ستباع روحية فهل معنى ذلك أن الروح يمكن ان تلبس وتعرى ؟ وكيف نفسر ان بطرس قد قطع اذن احد المهاجمين من الجند بواسطة سيف روحى, لاشك انها كانت اذن روحية كذلك؟

عوده:-

قلنا أن لغة المسيح كانت قد غادرت منطقة المجاز والاغراق فى التخفى كنهج صاحب فترة ظهوره الاول فتحولت ماجئت لاتقض الى ماجئت لالقى سلاما, و بدأ المسيح يكشف عن اهدافه الحقيقة كنبى جاء ليحقق ملكوت الله , ترى هل كا ن المسيح يعتقد ان الايمان يجب ان تكون له دولة , وسلطة تقر به وتحميه ليصبح راسخا فى الارض مايعنى انه كان صاحب مشروع سياسى ايضا ؟

ان قضية العلاقة بالسياسة التى ابتدأنا بها هذه السلسلة ستظل مصاحبة للمسيح طوال رحلته,بل انها ستتحول فى النهاية الى قضية رئيسة فى المحاكمة التى سيتعرض لها يسوع والمدخل الذى سيستدرج به المجلس اليهودى الدولة الرومانية لاكمال جريمة اول اغتيال سياسى سجله التاريخ فى العالم

خطة المسيح للدفاع:-

والمسيح لم يكن خائفا , بل انه كان على يقين وثقة من قوة تلاميذه الذين وعدوه عمليا بالاستشهاد من أجله (قال له بطرس ولو أضطررت ان اموت معك لا انكرك.هكذا قال ايضا جميع التلاميذ) متى 26-35

كما أن المسيح كان يعلم حسابات اليهود الخائفة والمتحسبة , ربما ظن أن المواجهة ستنتهى بحوار أو تسوية ما وفقا لما قدمت من معطيات فى المقال السايق

تخبرنا الاناجيل أن المسيح ذهب بتلاميذه الى مكان اسمه جثسمانى وهو بحسب التفاسير المسيحية بستان او معصرة زيت به سور, ليحدد بنفسه مكان المواجهة الآخيره بينه ويهود. لم تذكر الاناجيل ان المسيح قد اختبأ ولكنها ذكرت انه ذهب يصلى بهذا المكان اذ امر ثمانية من تلاميذه بحراسة المدخل

(حينئذ جاء معهم يسوع الى ضيعة يقال لها جثسيماني فقال للتلاميذ اجلسوا ههنا حتى امضي واصلّي هناك.)

اذن خطة الدفاع التى اعدها المسيح كانت تقوم على ان يبقى تمانية من تلاميذه عند المدخل , ثم ثلاثة آخرين معه بالداخل وهم بطرس وأبني زبدى ليشكلوا خطا ثانيا للدفاع

ثم انفصل هو عنهم بمسافة قريبة منخرطا فى الصلاة ملحا بها على الله أن يخلصه من هذه المصيبة

النص:-(ثم اخذ معه بطرس وابني زبدي وابتدأ يحزن ويكتئب. فقال لهم نفسي حزينة جدا حتى الموت.امكثوا ههنا واسهروا معي. ثم تقدم قليلا وخرّ على وجهه وكان يصلّي قائلا يا ابتاه ان امكن فلتعبر عني هذه الكاس.ولكن ليس كما اريد انا بل كما تريد انت.)متى 26-35,36,37,38,39

لكن المفاجأة هى ان اليهود لم يهاجموا وحدهم, لم يكن المهاجمين مجموعة الغوغاء التى توقعها المسيح وتلامذته, لقد اقنع اليهود السلطة الرومانية آخيرا بخطورة المسيح عليهم , وهى محاولات بدأت مبكرا منذ بداية الدعوة ولكن الرومان الدهاة كانوا يعرفون طبيعة الصراع داخل المجتمع الاسرائيلى , وربما قدروا أن استمرار هذا النوع من الصراعات من مصلحتهم وبالتالى لم يكن اهتمامهم يتجاوز مسالة الضرائب والجبايات ومكافآت روما التى تمنحها ل بيلاطس وغيره من الحكام المنفيين حقيقة فى هذه المنطقة المتخلفة من العالم, المهم انه بطريقة ما اقتنع الرومان بضرورة ارسال بعض الجند مع قوات مجلس السنهدرين

بدأت الجموع باقتحام المكان الذى كان به المسيح وتلاميذه , وأعطى يهوذا علامته (ان صح هذا) فهجم الاعداء على يسوع( أعتقد أن هذا هو اول ظهور لشخصية يسوع او الشبيه الذى سيصلب وسأبين لماذا ) وبدأت حالة من القتال بين التلاميذ والجموع تخبرنا الاناجيل أن بطرس قد قطع اذن احد الاعداء بسيفه خلال ذلك وفى رواية اخرى لمتى (واذا واحد من الذين مع يسوع مدّ يده واستل سيفه وضرب عبد رئيس الكهنة فقطع اذنه.) -المسيح اعاد لزق الاذن لاحقا -

فقال له يسوع رد سيفك الى مكانه.لان كل الذين يأخذون السيف بالسيف يهلكون)

ادرك يسوع أن الاوضاع قد انقلبت , وانه قد فقد تفوقه نتيجة لخطأ فى تقدير الموقف او ربما نتيجة لارادة الله كما قال متى , ذلك ان متى من فرط حيرته فى ايجاد تفسير لما حدث اضطر أن يعزو الامر كله الى (فكيف تكمل الكتب انه هكذا ينبغي ان يكون) او كما قال الرجل الذى كان بأمكانه ان يحرك المدينة كلها لصالحه او حتى ان يدعو جيوشا من الملائكة لنصرته(أتظن اني لا استطيع الآن ان اطلب الى ابي فيقدم لي اكثر من اثني عشر جيشا من الملائكة.)اورده متى!

ان نجاح اعداء المسيح فى القبض على يسوع يمثل فى النهاية هزيمة بالمقاييس المادية لايمكن حتى تصورها فقد قبض على المسيح فى قوة مجده وعز انتصاره وعلى مرأى من تلاميذه , يقول يوحنا:-

يوحنا 18-12 الفاندايك(ثم ان الجند والقائد وخدام اليهود قبضوا على يسوع واوثقوه)

وفى الترجمة اليسوعية(فقبضت الكتيبة والقائد وحرس اليهود على يسوع وأوثقوه)

كيف حدثت هذه الهزيمة؟هل اختفى المسيح حقا؟كيف ومن الذى حوكم ؟

يتبع











No comments:

Post a Comment