Wednesday, July 24, 2024

قراءة وملاحظات حول اتفاقية البقط

 
مساهمة بحثية شاركت بها في اطار مشروع الاستاذ وليد الحسين صاحب موقع الراكوبة لاعادة قراءة تاريخ السودان
المسافة بين ماهو مكتوب فى تاريخ النوبة , وهم المجموعة السكانية التى عاشت فى المنطقة بعد اسوان الحالية وراء خط 22 وبين مانفهمه من هذا المكتوب لجد غريب!!
الحملة الاولي على السودان كانت سنة640 -641 فى ولاية عمرو بن العاص رضي الله عنه على مصر و لقيت مقاومة رهيبة من النوبة حتي ان العرب اسموهم بتلك التسمية الشهيرة ( رماة الحدق)
 وانسحبوا فى النهاية بحجة ان( ما لهؤلأ خير من الصلح ،ان سلبهم لقليل وان نكايتهم شديدة)
وهذه عبارة مجهول قائلها , ولا تتسق مع عقائدية مشروع الفتح الاسلامي برمته والذى يهدف الى نشر الاسلام
الحملة الثانية التى كانت سنة 651-652 في ولاية عبد الله بن أبي السرح 
ضمت خمسة آلاف جندى مسلم 
ضربت فيها كنيسة دنقلا بالمنجنيق ( فى مخالفة واضحة للاسلام)
الامر الذى ارعب النوبة كثيرا ،ورغم انهم لم يستسلموا الا ان الامر انتهي بتوقيع اتفاقية البقط1، وهى واحدة من اكثر الاتفاقيات غرابة فى التاريخ الاسلامي وساوضح لماذا !
ملاحظات :-
1/اريد أن أبدأ باعتراض على ماتورده المصادر العربية حول مسألة عدم رغبة العرب فى فتح بلاد النوبة أن هذا الطرح غير صحيح ويحتاج إلى وقفة لا سباب منها:
*اولا السودان فى القرن السابع الميلادى وهو العام الذى ظهر فيه الاسلام كان يتكون من مملكتي المريس والمقرة واتحدت المملكتين باسم مملكة النوبة nobatia 
اضافة الى دولة علوة الى الجنوب قليلا , ويشمل سودان وادى النيل فى تلك الفترة ايضا اثنية البجا والتي سكنت سواحل البحر وكردفان ودارفور !
 اضافة الى المجموعات الحامية الاخرى جنوب خط 11
*ثانيا هذه المجموعات كانت مستقرة اقتصاديا, فالزراعة بين من استوطن على ضفاف الانهار كانت معروفة , والمراعي في وسط السودان كانت مطمع لاعراب الجزيرة العربية البدو الذين يتسق هذا الجو مع مزاجهم اكثر من الجو المدينى المصرى , والمعلومات عن تفوق النوبة فى الصناعات الحديدية متواترة , ( برمنجهام افريقيا)
 والمناجم الصحراوية فى ارض الذهب كل هذا يجعلنا نشكك فى دوافع المصادر الذى ذكرت ان النوبة قوم فقراء2
وهذا مخالف للمذكور ايضا حول الحملة على السودان, تقول الراوية المعروفة ان العرب كانوا زاهدين فى فتح السودان , لكنهم فعلوا بامر الخليفة عمر لاسكات اعتداءات النوبة على جنوب مصر وهذا غير ثابت ولا يصح فى تقديرى ، فعمر كان اصلا مترددا فى فتح مصر ،واستحاب فقط لالحاح عمرو بن العاص وكانت لديه تحفظات حول طموحات عمرو بن العاص, ولو انه امر لما توقف المسلمون الا فى نمولي ، وتردد عمر في مسألة فتح مصر مشهورة متناثرة في الكتب والمراجع لأسباب كثيرة منها جيش ابوعبيدة وخالد في مواجهة الروم في الشام ، إضافة إلى المجاعة والطاعون في فترة خلافته  
2/الاهم هو ان هناك رواية اخرى مختلفة هي الرواية المسيحية والتى تحدثت عن ان الهجوم على النوبة كان يقوم به العرب علي النوبة وليس النوبة هم من كان يهاجم العرب, وان دوافع الهجوم كانت هى( السلب والنهب) !!!
ميتاق البقط هدنة ام اتفاق؟ :-
اقدم نص لهذه (الهدنة)منقول عن يزيد بن ابي حبيب النوبي(128-746) هو،:( ان عبد الله بن ابي السرح صالحهم على( هدنة )انهم لايغزونهم ولا يغزوالنوبة المسلمين وان النوبة يؤدون كل سنة كذا راس من السبي وان المسلمين يردون لهم من القمح كذا وكذا)
 واشار هذا الرجل الى ان (ليس للنوبة واهل مصر عهد وميثاق انما هي هدنة امان بعضنا مع بعض)!!!
وقد ذكر الطبرى شيئا قريبا من هذا فى روايته عن ابي حبيب
 وهناك نص للمقريزى يتناول الهدنة ويشير الى تطور العلاقات التجارية بين النوبة ومصر
غير ان خلاصة المعاهدة تشير الى التزام النوبة بتقديم ثلاثمئة وستين شخصا من اواسط الرقيق النوبي للعرب فى مصر والمحافظة على المسجد فى دنقلا و كفالة حق الترحال لرعايا الطرفين دون حق الاقامة مقابل مؤن وملابس تدفع للنوبة سنويا !
*إذن هناك روايات مختلفة حول هذه الفترة التاريخية, فالمصادر العربية كانت حريصة على ابراز ان الحملة على بلاد النوبة حدثت على سبيل الاضطرار ، لأن ممالك النوبة الثلاث كانت فقيرة ، والتكلفة التى تحملها العرب فى سبيل تأمين الحدود الحنوبية لمصر كانت جد عالية مع رماة الحدق(المتوحشين قليلي السلب هولا ) خخخ
*فى مقابل رواية اخرى تقول ان العرب حقيقة هم من كان يهاجم حدود النوبة’ !
وهذه الرواية اخذتها من المصادر القبطية ! وموحودة فى المصادر المسيحية كذلك, وهي متسقة مع القول الذى اوردته سابقا حول ان مملكتى نوباتيا المتحدة ومملكة علوة اللتان خلفتا مملكة مروى العظيمة كانت اماكن للاستقرار الاقتصادى (المحسود ) لكون المحتمع النوبي العريق كان مجتمعا عارفا باصول الزراعة،والتعدين اضافة الى توفره على مراع شاسعة شكلت مطمعا دائما لاعراب مصر 
*فلدينا اذن الرواية العربية التى اعتمدها الاستاذ الدكتور مدثر عبد الرحيم فى مقابل الرواية القبطية و يمثلها يوسابيوس المصرى الذى عاصر الاحداث ....
اضافة الى أن هناك مؤرخ سبق هذه الفترة هو( ساويرس ابن المقفع )و اهميته انه ذكر بعض المعلومات فى كتابه " تاريخ البطاركه " عن علاقة الكنيسه المصريه بالنوبه و علاقة ملوك النوبه بحكام مصر. واشار الى اهمية العلاقات الاقتصادية بين الطرفين
*والسؤال الذى نثيره هنا هو لماذا حدث هذا الاختلاف؟ 
وهل كان للتعصب الدينى( اسلاميا كان او مسيحيا) دور فى اختفاء حقيقة ما حدث حقا فى تلك الفترة
* قلت سابقا انني ساوضح لماذا اعتبرت هدنة او اتفاقية البقط بين عبد الله بن ابي السرح وملك النوبة اتفاقا غريبا 
 والسبب هو ان الاتفاق كان مختلفا عن الاطار العام فى تعامل المسلمين مع الاعداء عموما
*ذلك ان العالم فى الاسلام اما دار اسلام او دار حرب, بناء على هذا التصور كان على اى فتح ان يعرض على اهل الديار المراد فتحها اما ان يسلموا او يدفعوا الجزية او يحاربوا
*اما المعاهدات فقد عرف الاسلام معاهدة تعايش بين المسلمين واليهود يعيش فيها اليهود فى كنف الدولة الاسلامية هى معاهدة المدينة , * هناك أيضا العهد الذى يعطي لدافعي الجزية فى البلاد المفتوحة أو للغرباء 
*لكن صلح النوبة فقد اقر نوعا جعل من بلاد النوبة (دار معاهدة )وهي ما سماها دكتور يوسف فضل ( مرحلة وسطى بين دار الحرب ودار الاسلام) وهو توصيف جيد لكن مشكلته انه مثل اجتهادا جديدا من عبد الله بن ابي السرح ولم يثبت بدليل أن كان عثمان بن عفان رضى الله عنه قد اقره ام لا؟
أهمية ذلك أنه لو أقره يصبح حكما شرعيا لكونه صادر من أحد الخلفاء الراشدين وفقا لتعاليم الإسلام 
*عبد الله بن ابي السرح:-
صحابي جليل، من كتاب الوحي ،ارتد ، واهدر النبي دمه, ثم توسط له عثمان بن عفان يوم فتح مكة عند النبي صلي الله عليه وسلم , فبايعه على مضض لخاطر عثمان رضى الله عنه، فهو اخو عثمان في الرضاعة ، ولأم الصحابة لأنهم لم يقتلوه تنفيذا لأمره قبل أن يتوسط له عثمان ، وهذا ثابت ومشهور 
كان واليا على جنوب مصر من قبل عمرو بن العاص رضي الله عنه, فصارعه واستطاع ان يكون هو حاكم مصر الذى غزا بلاد النوبه
*الملاحظات التي اوردها هنا هي :
ان ابتكار نوع جديد من انواع الاتفاقيات فى الاسلام متسق وما هو معروف عن شخصية عبد الله بن ابي السرح، ولكنه مخالف لعقائدية مشروع الفتح الاسلامي لكونه مراع لاهمية الدوافع الاقتصادية والمادية وتغلب عليه الدوافع الاستراتيحية اكتر من مسألة نشر الدين  
وقد امتدت هذه الهدنة كما يحدثنا التاريخ الى قرابة الستمئة عام , دفع خلالها النوبة حوالي 216000 نسمة من (العبيد )وقد اختفي هؤلا ء تماما من صفحات التاريخ....
*بالمخالفة لنصوص الاتفاق ، استقر العرب فى السودان ،اشتروا الاراضي رغم احتجاجات دنقلا وابتدأ الاسلام بالظهور من خلال المصاهرات والتداخل الاجتماعي
 وعمل بنو الكنز وهم فرع من ربيعة على مصاهرة الاسرة الحاكمة فى دنقلا حتى اعتلوا عرش النوبة فى مرحلة لاحقة، فى نظام ملكي سادته نظرية الوراثة عبر الام
 ويسجل التاريخ ان الكنزيين ساهموا بنصيب وافر فى نشر الاسلام فى السودان
*بعد ست قرون, استمرت مصر فى استلام الرقيق، ولم تعد مضطرة لارسال اى شىء!
*اصبح النوبة غير قادرين على ارسال المزيد من الرقيق, وحاولوا غزو صعيد مصر للانفكاك من التزامات الاتفاق
*توغل العرب فى بلاد النوبة واصبحوا هم اصحاب الثقافة الغالبة بينما المسيحية كانت تزداد ضعفا
مصادر هذا الجزء:-
* بروفسور يوسف فضل حسن كتاب ( العرب والسودان) الخرطوم 1970 بالانجليزية
*من معالم تاريخ الاسلام فى السودان
 ( بحوث صادرة عن جماعة الفكر والتقافة الاسلامية1982)لبروف يوسف فضل,بروف محمد ابراهيم ابوسليم، بروف محمد احمد الحاج،وبروف مدثر عبد الرحيم
*يوسابيوس المصرى ( تاريخ الكنيسة القبطية)
*الدكتور محمد حسين هيكل، (الفاروق عمر).