Saturday, January 2, 2016

هذا الكائن الغريب

(كان هذا الطالب الغاني الاسود كالابنوس،  لكنه - إن انت لم تكترث للونه - كان وسيما .
خلف حاجز اللون كان خفرا،لكنك ان سمحت له بالدخول كانت إنسانيته لاتعرف حدودا،
خلف حاجز اللون انت في أمان ، لكنك إن أزحته لم يكن ثمة ضمان)
من نص قصير بعنوان (الاختيار )للطيب صالح
القصة باختصار شديد تقول ان الطالب الغاني الاسود كان يحضر الي حفل إسبوعي في منزل صديق انجليزي اعتاد ان يدعو اليه السارد والطالب الغاني ومجموعة اخرى من اصحابو الاجانب، وانتهت الحكاية بهروب زوجة رجل الحفلات مع الطالب الغاني
بعد ان تقرأ ستفكر بالطبع عن ما اراد الكاتب ان يقوله من وراء هذا النص البسيط، البلا حبكة ولاتشويق ولاتبئير ولاتقعر ولاسريالية ، والقصة اصلا قديمة وعادية
 في الغرب ،  فما المدهش في علاقة متوقعة معه او مع غيره  نشأت بين الافريقي الاسود والسيدة البريطانية زوجة الصديق؟

هل كان  صالح يشير الى ان تلك المرأة قد تجاوزت حاجز اللون  فلم تعد آمنة على مشاعرها ، ماهي طبيعة الامان الذى قد ينعم به كائن لايرغب في تجاوز الحاجز ؟، هل حاجز اللون حقيقي اصلا؟  قد تفكر بجدلية الصراع بين الشرق والغرب باعتبارها موضوعة أثيرة لدى الطيب صالح، او قد ترى بأن هذا الاسود مثل (مصطفى سعيد) ينتقم لنا من الخواجات الظالمين ، وقد تتذكر ماقاله ادوارد سعيد حول علاقة (قلب الظلام) لكونراد (بموسم الهجرة الى الشمال) ، وكل هذا ليس مهما ،المهم أنك  ستبدأ باكتشاف عبقرية هذا الكاتب الجميل، وستعود  بكامل ارادتك لإسترجاع النص وإعادة قراءته مرة اخرى                                                                           *
يقول صالح :-(خلف حاجز اللون كان خفرا،لكنك ان سمحت له بالدخول كانت انسانيته لاتعرف حدودا، خلف حاجز اللون أنت في امان ، لكنك ان ازحته لم يكن ثمة ضمان)
ان الف مقال عن العنصرية لايمكنها ان تعبر بهذه البساطة  عن الكائن العنصري، ومايفعله صالح هنا انه يكشف هذا الكائن فقط ويعريه ، ، فالكائن العنصري  قصير النظر لكونه لايستطيع ان يتجاوز حاجز اللون، انه يتوقف هناك عند تخوم السواد بلا قدرة  ولا رغبة في  او على فتح الباب ليسمح لانسانية الآخر بالدخول اليه او عليه
هل الكائن العنصري يدرك عنصريته ! ام ان العنصرية قد تكون خلقا اصيلا في بعض الذوات بحيث لايشعر بان ثمة مشكلة مع من  تتوجه اليه هذه العنصرية؟ هذا  أحد  المفاتيح  التي يضيعها  الكائن  العنصري وبسببها يصبح غير قادر على فتح ابواب انسانيته لانسانية الاخر؟ ولكن لماذا او كيف تضيع اصلا تلك  المفاتيح ؟،
مثلا  هذا الاسود او هذا  الآخر قد تكون لديه طريقة في عمل الاشياء   او انجاز العمل بطريقة لاتعجبنا،  طريقته في اللبس مثلا اوطريقته في الحديث او الكلام تستفزنا او تضجرنا وهذا الاتجاه المضحك هو جوهر العنصرية
 هناك طريقة اخرى لاضاعة مفاتيح بوابتنا الانسانية والتي بسببها يحتجز الكائن العنصري نفسه خلف حاجز اللون او أيا كان ، وهو ان يضع الكائن مسؤولية عنصريته على الضحية  انهم هم الذين دفعوني  الى هذا المنحدر ( السود  مشكلتهم كذا) ( ماعندي معهم مشكلة لكن هم شوية عندهم عقدة من ناحية كذا) وووالخ وهذه هي نظرية غلطان المرحوم بعينها!
قلت من قبل واكرر (لعنصرية متوفرة حتى فى كثير ممن يعلنون التزامهم بمبادئ المساواة بين البشر وان كان هذا بشكل خفي فأن تطالب بحقوق معينة لذوى البشره السوداء او لفئة اجتماعية ما او تحمل توجهات جندرية محددة هو فى الواقع شكل من اشكال العنصرية يقع فيه الكائن العنصري  من حيث لا يعلم) فالبشر في الاصل واحد ومتساوون  وممتلؤن بالهراء ولايحتاجون الى مزيد منه
نستطيع ان نسمح للاخرين  بالدخول الينا لنصافح انسانيتهم، وذلك بأن نتقبلهم كما هم، فالسود لايمكن ان يصبحوا بيضا  بالطبع ، لكنهم  خلف حاجز اللون ربما كانوا اكثر انسانية منك
ماحدث لتلك السيدة في القصة  انها لم تكترث للون الطالب الغاني ، لقد تجاوزت حاجز اللون ، وهي ميزة الامان التى يتحصن خلفها الكائن العنصري، فان فقدها فلن يكون امامه الا ان يتعامل مع الاخر باعتباره انسانا ، مثله تماما
 ______

 ا*الصورة للممثل السوداني العالمي/ جير داواني

No comments:

Post a Comment