Monday, July 13, 2015

قراءة في نظرية الحب 2

الإغتراب

يحاول ( اريك فروم )هنا ان يجد تأريخانية محددة للحب , وللرغبة  في قهر اغتراب وانفصال الانسان  عن العالم  وتحقيق الوحدة معه عبر الحب  حيث يرى:-
ان  وعي الانسان بأنه ولد  دون مشيئته وسوف يموت  ضد مشيئته.  الوعي بأنه يموت  امام الذين يحبونه, او ان الذين يحبونه سيموتون امامه,الوعي بوحدته وانفصاله , بعجزه امام قوى الطبيعة, والمجتمع, . كل هذا يجعل من وجودةه المنفصل المفكك  سجنا لايطاق  وقد يصاب بالجنون  ان لم يستطع ان يحرر نفسه  وينطلق  ويوحد نفسه مع العالم الخارجي
ان الانفصال يعني الكف/التوقف عن استخدام  القوى الانسانية انه يعني اليأس والعجز عن الاستحواذ علي العالم(الاشياء والناس)إنه يعني ان العالم يستطيع ان يحاصرني  
بدون مقدرة من جانبي علي رد الفعل, انه شىء مثير للقلق , للعار  وللشعور بالأثم

في قصة آدم وحواء  بعد ان اصبح الرجل والمرأة انسانين  واعيين بنفسيهما  وبكل
 منهما بالآخر بعد ان اكلا من الشجرة   وعصيا( لايوجد خير او شر ما لم توجد حرية المعصية ) عندها ادركا انفصالهما واختلافهما , انهما غريبين لانهما لم يكونا قد تعملا ان يحبا بعضهما
 ان إدراك الانفصال الانساني دون الاتحاد من جديد عن طريق الحب  هو مصدر  الاثم والقلق
ان اعظم حاجة للانسان  هي الحاجة الي قهر إنفصاليته , ترك سجن عزلته, الفشل في ذلك يعني الجنون  لأن كرب العزلة الكاملة  لايمكن قهره الا بمثل هذا الانسحاب  المتطرف من العالم الخارجي , حتى ان  الشعور بالانفصال يختفي , لأن العالم الخارجي  الذى ينفصل عنه الانسان قد اختفي
كيفية قهر الانفصال هي مشكلة الانسان , ان يتجاوز حياته الفردية  ليجد كفارته
يمكن ان يكون الحل  هو عبادة الحيوان كما فعل الانسان البدائي او بالتضحية الانسانية  او الغلبة العسكرية او الانغماس في الترف او الانعتاق الصوفي,ووالخ, الحلول كثيرة ,وسجلها يشكل تاريخا انسانيا , لكن يتجاوز الفروق الصغيرة نجد ان الحلول  محدودة العدد في الواقع , والحلول التي طرحها الانسان في كل الحضارات  تمثل  تاريخ الدين والفلسفة   
نجد الطفل  يتحد مع امه فليس لديه شعور بالانفصال طالما ان الام حاضرة  بثديها وبجلدها , وحسب الدرجة التي ينمي فيها شعوره  بالفردية والانفصال لايعود الحضور لامه كافيا , فينفصل عنها ويبحث عن طرق اخرى لقهر الانفصال
تماما كالجنس البشري , في طفولته يشعر بانه متحد مع الطبيعة , يوحد نفسه مع الحيوان ويعبده , لكن بالتطور تنشأ لديه حاجة لقهر الانفصال بطرق اخري , واحدة من هذه الطرق  السكر والعربدة هناك طقوس قبائلية  قدمت السكر والعربدة كشكل من اشكال الغيبوبة  الذاتية  لأخفاء العالم  ويختفي بالتالي معه الشعور بالانفصال 
التجربة الجنسية وهزة الجماع يمكنها ان تنتج حالة مماثلة لحالة السكر في محاولته  لقهر الانفصال والحصول علي الراحة المؤقته, هذه طقوس مورست في تاريخ الانسان البدائي
والعربدة كممارسة جماعية في القبيلة لاتسبب قلقلا  او اثما , انها تصرف فاضل لانه طريقة يشترك فيها الجميع ويباركها الكهنة , لكن الامر مختلف حين تكون العربدة خيارا  فرديا  في حضارة تجاوزت  هذه المرحلة , ففي مقابل القبيلة التي تشترك في العربدة كخيار نموذجي اجتماعيا  يعاني الافراد الذين اختاروا العربدة شعورا بالاثم والقلق وعدم الراحة, واذ يلجئون للخمر والمخدرات للهرب من حالة الانفصال يشعرون بانفصال اشد بعد انتهاء تجربة السكر والعربد
الاتحاد القائم علي التطابق  مع ممارسة الجماعة وعاداتها هو شكل من اشكال الحلول التي طرحتهاالحضارة والتطور لتجاوز مشكلة العزلة والانفصال,  في الدولة الرومانية كان بامكان الروماني الفقير ان يقول بكبرياء انا روماني , ومواليد السعودية حتي الذين لم يحصلوا علي الجنسية تجدهم يلبسون ويتكلمون ويفكرون بذات طريقة السعودي الاصلي , رغم انهم عنده مجرد طرش بحر , انهم يخفون ذواتهم ويضيعونها في القطيع  في محاولة لتأكيد الانتماء له , عادة يرغب الناس في الامتثال الي درجة اعلي مما هم مرغمون عليه  لحاجتهم الي قهر الانفصال ولتحقيق الوحدة  عبر الامتثال الجماعي
الطريق الثالث هو الحصول علي الوحدة  في النشاط الابداعي
  في اى نوع من العمل الخلاق  يوحد المبدع نفسه مع خامته التي تمثل العالم الخارجي , يصبح العامل وموضوعه شيئا واحدا, الانسان يوحد نفسه مع العالم في عملية الخلق الابداعي, وعلي ايه حال لايصدق هذا الا علي العمل الانتاجي , العمل الذى اخطط فيه وانتج وارى نتاج عملي , ولكن عندما يفقد ماينتج,  لايتبقي له الا القليل مع هذا التوحد لانه يتحول الي ملحق بالماكينة او بالتنظيم البيروقراطي , فيكف عن تشكيل اى وحدة وراء وحدة الامتثال
فالوحدة التي يحققها النشاط الابداعي  هي ليست وحدة بين اشخاص, والوحدة المتحققة  عن طريق الاندماج العربيدى  هي وحدة مؤقته  والوحدة المتحققة عن طريق الامتثال ليست سوى وحدة زائفة  فهي اذن حلول جزئية لمشكلة الوجود , والحل يكمنفي تحقيق الوحدة بين الاشخاص , الاندماج مع آخر, أن يحب

قهر الغربة بالاندماج مع شخص آخر هي التوقان الاكبر لدى الانسان ,انها اشد العواطف جوهرية , انها القوة التي تبقي الجنس البشرى متماسكا, والفشل في هذا يعني الجنون والدمار  للذات او للآخرين  , مع ملاحظة 

 ان الحب يمثل نوعا خاصا من الوحدة  لان للاندماج طرقا اخري 
________________________,
 كل عام وانتم بخير, نواصل التدوين  في العيد


Wednesday, July 1, 2015

قراءة في نظرية الحب

في الحديث (لايؤمن احدكم حتي يحب لاخيه مايحب لنفسه) واعلى انواع الحب محبة الله , لانه يقودنا تلقاء تحقيق عبوديته   فتتحقق  معيته مع العبد, وفي الحديث (ما يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ )
فالحب وعدمه مرتبطان بالايمان , وهذا يعني أن الإنسان لايستطيع أن يقيم علاقة محبة  كاملة بالله طالما ان قلبه ممتلىء بالانانية, وكراهية الذات والآخر
لكن الحب بين البشر شىء معقد  جدا,يحاول هنا اريك فروم,المفكر والباحث   وعالم النفس ان يشكل نظرية حول الحب من خلال الدراسة عبر مدرسة التحليل النفسي  طارحا هذا المستوى الشيق في تحليل شخصية الانسان الاناني والانسان غير الاناني
حيث يبتديء بحثه بما انتشر بين الناس من قناعة تقول  انه من الفضيلة ان يحب الانسان الآخرو وانه من الخطيئة ان يحب الانسان ذاته, وحيث يسود الاعتقاد  بانه بقدر ما احب نفسي لا احب الآخرين , وان حب الذات هو الانانية
وهنا تنشأ اسئلة  هل أنانية الانسان الحديث  سببها حب الذات ,ام  أن حب الذات والاهتمام بالنفس  والامكانيات العقلية والعاطفية والحسية للانسان يحدث بسبب نقص في حب الذات!
يناقش فروم  المغالطة  المنطقية القائلة  ان حب الاخرين وحب الذات متناقضان وطاردان لبعضهما ,فاذا كان من الفضائل ان احب جاري كانسان ,فان من الفضائل ايضا ان احب ذاتي لانني انسان ايضا, ان حب الانسان وفهمه لذاته لايمكن ان ينفصل عن احترام الانسان وفهمه وحبه لفرد آخر , ان حب نفسي مرتبط ارتباطا لاينفصم بالحب لاى كائن اخر
ان حبك لشخص يعني حبك للانسان, وبالتالي يصبح حبك لاسرتك  في مقابل  شخص غريب لاتكن له اي مشاعر ,هو تجسيد لعدم القدرة على الحب , فالحب ليس تجريدا ياتي بعد حبك لاشخاص محددين , بل هو مقدمة بالرغم انك تتحصل عليه بشكل جنيني, لان حبك للاخرين ينشأ قبل ان تشكل اسرتك الصغيرة
فالنفس ايضا ينبغي ان تكون موضوعا للحب, تماما كما نحب الآخرين ,بحيث نبذل لهم ذات الاحترام والرعاية والاهتمام والمسؤولية والمعرفة,هذا هو الحب الذي يشكل سعادة ونمو وحرية الانسان  وتطوره
والشخص الاناني

يبدو دائما ليس مهتما الابنفسه,ويريد كل شىء لنفسه , لايشعر بلذة في العطاء,يشعر بها فقط في الاخذ,لاينظر الي العالم الخارجي الا من وجهة نظر ماذا يمكن ان يحصل عليه, ماذا سيستفيد؟ انه يفتقد الاهتمام بحاجات الآخرين ولايحترمهم, يرغب في الظهور علي حسابهم , لانه لايري سوى نفسه , يحكم علي الآخرين من خلال زاوية النفع بالنسبة له انه عاجز تماما عن الحب
لكن هذا لايعني ابدا ان الانانية وحب الذات شىء, واحد انهما مختلفان ,فالشخص الاناني  لايحب نفسه كثيرا ,انه يحبها قليلا جدا, بل هو كاره لنفسه , ليس معجبا بها, هذا الافتقاد للرعاية والاعجاب بالنفس يعبر عن افتقاد للانتاجية, يتركه خاويا  ومحبطا طول الوقت, انه قلق دائما ومهتم باستلاب الاشباعات التي يسد الطريق علي نفسه لاجتيازها ويسعى لاستلابها من الاخرين, وما يبذله هو محاولة فاشلة لتغطية وتعويض فشله في الاعتناء بذاته الحقيقية, يقول( فرويد )ان الاناني نرجسي وهو دائما يبدو كمن سحب حبه من الاخرين  وفشل في تحويله لنفسه
اسهل علينا ان نفهم الانانية بمقارنتها بالاهتمام الشره بالاخرين , مثالا لذلك 
الام المفرطة في تعلقها بطفلها 
فعلي حين نعتقد  انها مغرمة بطفلها بصفة خاصة لكنها في الواقع تملك عداوة مكبوتة عميقة نحو موضوع اهتمامها , فهي مفرطة الاهتمام بهذا الطفل لتعوض افتقادها للقدرة علي حبه  اصلا!
لقد تولدت هذه النظرية  عن طبيعة الانانية  بتجربة التحليل النفسي اوانتجت لنا مايسمى بعدم  لانانية العاصبية
 (عدم الانانية العصابية )
 وهو مرض يعبر عن شخص غير اناني , لايريد اي شىء لنفسه  ,انه لايعيش الا من اجل الاخرين, انه فخور بكونه لايعتبر نفسه مهما , وهو بالرغم من عدم انانيته محتار لانه ليس سعيدا , وان علاقته باقرب الناس اليه ليست مرضية, هذا النوع من عدم الانانية هو عرض يكشف التحليل النفسي  انه ضمن اعراض اخري تمثل عدم قدرته علي الحب او التمتع ,به انه محاصر بعداء للحياة ,وان وراء واجهة عدم انانيته يختفي تمركز ذاتي خادع لايقل شدة , وهذا الشخص لايمكن ان يشفى الا اذا صحح عدم توازنه بين الحب والكره

يقول ايكهارت( اذا احببت نفسك فقد احببت كل شخص  آخر كما تفعل ازاء نفسك, واذا احببت شخصا آخر اقل مما تحب نفسك  فلن تنجح  حقا في حبك لنفسك )
الاختلاف الوحيد بين مرض الانانية العصبي  ومرض عدم الانانية العصابية ان الاناني حقير بطبعه يمكنه ان يفعل كل شىء لارضاء من يعتقد انه قد يستفيد منهم , بينما مريض عدم الانانية لاتفرق معه ولايهمه ابدا ان يرضي عنه احد لكونه يعتقد ان اموره لايمكن ان تتغير مهما فعل لارضاء الآخرين 
-----------------
المزيد حول نظرية الحب في حلقات قادمة