Tuesday, April 24, 2012

نحن والموت

رواية الجحيم لهنرى باربوس ( 17مايو 1873-30 اغسطس 1935)وهو كاتب فرنسي، وعضو في حزب المجتمع الفرنسي. . حصل على جائزة غونكور سنة 1916 ,


 و( الجحيم ) هذه وهي واحدة من اهم الروايات فى الادب العالمي, رواية تأملية من الطراز الاول, فبطل الرواية   دخل الي الي غرفته  فى احد الفنادق  ليراقب الناس من خلال ثقب  الباب  , ويتحول هذا الفعل اللا اخلاقي  الي  مراقبة للعالم  وتأمل فى احوال الكون والانسان والحياة. ومن ثقب الباب تنطلق أفكاره بصورة غامضة عن الحب والملاذ الجسدية، إلى التفكير  بالموت ، حيث يقول  عنه :-
((هذا التراب سيحتضنني يوما, هذا الغبار الذى انفضه عن نفسي كل يوم , واغتسل منه, وادافع عن نفسي ضده  وانتزع نفسي منه عنوة, هو ملاك الارض المشئوم
تتكاثر الديدان فى النعش حول جثتي,  وقد قال (لين) فى هذا, ان ثلاث حشرات فيها الكفاية لأن تفعل بجثه مايفعله اسد ضارى
تناولت كتابا  وفتحته , وتعمقت فيه , لاعرف ماينتظرني... وعلمت قصتي المقبلة....
حشرات المدافن وطفيلياتها , تتعاقب فى دورات, كل نوع له موسم , بحيث يصبح من السهل التعرف على عمر الجثة  بمعرفة  مجموعة الحشرات التي تقتات عليها  وترتع
هناك ثمان مراحل لاستيطان الطفيليات فى الجثث متتابعة تتعلق يثمان رمالح للتعفن, وعن طريق هذا التعفن تبلي الجثة شيئا فشيئا
فلنري اولا مالانراه, ولنتعرض الي ما لانحسه
هناك طفيليات صغيره يطلق عليها( كورتونيفر) تلازم الجسد لبضع لحظات قبل الموت... وتحس هذه الطفيليات بقرب الخطر منها اذا ما اشتمت رائحة كريهة فتتكاثر وتضع بيضها فى تجويف الانف, والفم, وفى اركان العيون
فهل تتوقف حياتها اذا ماتكاثرت طفيليات اخرى؟ فالحشرة الزرقاء والحشرة الخضراء ( لوسيليا سيزارا) والحشرة الكبيره ذات اللون الابيض والاسود( جراند ساركوفاجيان) تصبح حساسة بمجرد ان تضعف الاخرى
الجنس الاول لهذه الحشرات , يمكنه ان يتكون من ثمانية اجناس فى الجثه, تتوطن وتتكاثر خلال ثلاث او ستة اشهر. قال (ميجتان):-
( ان ديدان طفيليات الحشره الزرقاء تتكاثر كل يوم بما يعادل وزنها مائتي مرة)
حينئذ يصبح لون الجثة اصفر يميل الي الاحمرار قليلا, وكذلك يكسو البطن والظهر اللون الاخضر القاتم وتختلف  الالوان ان لم يتم ذلك فى الظل
فى هذه السبع او الثمان مراحل تأتي هذه الطفيليات على الجثة شيئا فشيئا , ولايتبقى منها سوى فضلات قليلة حول العظام  , وحول الجمجمة, وفي ثنايا العظام, وهذه الطفيليات تسمى الطفيليات المفترسة
ثلات سنوات تنقضي, وينتهي كل شيء, ويعود المرء الذى كان معبودا الى حكم المادة
وباختفاء الرائحة الكريهة ينتهي كل اثر للحياة))
كان للفيلسوف المصري الراحل عبد الرحمن بدوى وهو وجودى المذهب يقول ( ليس مهما ان الموت موجود وان الكل سيموت , المهم هو اني انا أموت او سأموت)
اعتقد ان الصحيح هو ان ننشغل بمصيرنا بعد الموت , ليس مهما ان تنتهي الحياة , ولكن المهم هو الي اين سننتهي نحن بعد انتهاء الحياة
يرحمكم الله جميعا

Sunday, April 22, 2012

ظل الاسكندر2






وقف ديوجين  يتأمل فى مقبره قديمة , كانت مقبرة رائعة تحيط بها الازهار , وعلى رأسها نصب تمثال يمثل الملك السابق, ثم انتبه فجأة  الى جثة كلب ترقد بالقرب منها
فى تلك اللحظه ظهر الاسكندر فجأة من خلف ديويجن  وقال:- ماذا تفعل هنا فى المقبرة الملكية  ياديوجين ؟
مولاى الاسكندر, كنت اتأمل فى عظام أبيك فما وجدت فرقا بينها وعظام الكلب الذى يرقد بالقرب منها,   هذا الكلب  الوقح الذى تجرأ على مشاركته فى موته العظيم
وديوجين لم يكن منشغلا بالموت,  فى مسيره الدائم تلقاء حياة عامرة بالفضيلة ادرك منذ زمان ان  الذين  يشترطون على الحياة  مطالبهم سيكون عليهم ان يسعوا لتحقيق هذه الشروط  , ذلك ان الحياة تشبه  فراغا بين قوسين  عليك انت ان تكتب فيهما النص الذى يناسبك
موته العظيم, ؟ قال  الاسكندر ,ولكن  ماهى العظمة فى الموت!, العظمة كل العظمة فى الحياة  ايها العزيز, وموت كلب لايختلف عن موت  ديكتاتور
رد ديوجين بسرعة:- صحيح , فلماذا  اذن يقولون انك عسكرى اهبل. ؟
لن احاسبك  ياديوجين الحكيم, اذ تتجرأ على  و العظماء من آبائى,  فانت تعيش فى برميل لتلفت انتباه الناس. تضعه فى شوارع اثينا حيتما اتفق , ولولا   بقية من احترام يكنه لك الحكماء فى امتنا , لاخذتك حملات النظام العام , ولرمتك فى اى  تخشيبة ككلب بتهمة التشرد والتسول
توحد ديوجين  بالجرح, ودخل برميله الفارغ الا  من ذكرى  الوحشة و الألم  القديم, والزمهرير الشتائى الذى كان يعصف بروحه  بعث فى اوصاله رعشة خفيفة من اثر الجوع
 تبع الاسكندر ديوجين الى برميله متأثرا من فظاظته وقال :-
ديوجين ايها المعلم ها انذا قد جاوزت قدرى معك, هلم  معى الى القصر فاكسوك واطعمك, متى اكلت  اخر مرة؟
كف الناس عن التصدق على امثالى,عندما كانوا يتصدقون فعلوا  لانهم كانوا يخشون ان يصبحوا مساكين مثلى, الآن وقد اصبح الكل مساكين فلم يعد يخشى احد ان يتحول الى فيلسوف
ضحك الاسكندر حتى وقعت سيجارته  ثم قال :-, لكن  ليس فى اثينا مساكين , انا فاتح العالم  , قد جعلت اثينا مركز الكون
رد ديوجين بسرعة :- انت حاربت العالم    وجلبت له الدمار  لظنك اننا الافضل , تلك فكرة فاشية  , وما ادراك ان بعد آلاف السنين سيتنبى الرايخ الثالث  او المؤتمر الوطنى او اى مجنون آخر ذات الفكره؟
 ومن هئؤلا ؟ وما ادراك عما سيحدث بعد آلاف السنين , رغم انك تربكنى بجنونك,  لكن برميلك ليس فارغا ياديوجين , ولوددت لو ان لى منه بعض الحكمة
 رد ديوجين بسرعة :-بلا حكمة بلا زفت  لعنة  الله  عليك وعلى  الحكمة , هل تستطيع ان تأخذ حكمتى مقابل بعض الحظ؟ لفتحت لنفسى والعالم ابواب السعادة, ولنثرت الفضيلة بين اركانه , ولسلمتك الى محكمة الجزاء الدولية
سكت الاسكندر محتارا  وهو يفكر, ثم اخرج من جيبه صرة من دولارات ووضعها بين يدى ديوجين  وهو يقول
هل تريد شيئا؟ اؤمرنى بما تريد
قال ديوجين انت تحجب الشمس عن برميلى , اذهب ولا تحجب شمسى بظلك
عندما انصرف الاسكندر الاكبر , كان ديوجين  قد اشعل نارا وبدأ يدفىء  نفسه على نار خضرا كانت تشتعل فى الدولارات بينما ظل الشمس يضفى على وجهة نورا   غامضا  وجميل

Thursday, April 12, 2012

حول تشابه قوى اليمين فى العالم

فى هذا المقال يتحدث آلان ماس الكاتب اليسارى الامريكى عن ضرورة النضال من اجل الديمقراطية فى امريكا والعالم والمقال طويل فاكتفيت بترجمة جزءه الاول والذى يكشف تشابه قضايا الصراع بين عالمنا وعالمهم, حيث تكتشف ان اليمين والرجعية هم فى الحقيقة ملة واحدة, فى مواقفهم من قضايا المراة والحريات التوجهات العنصرىه وووالخ
تلاحظ ايضا التشابه فى عدم الحماسة التى يبديها الاشتراكيون هنا وهناك فى الاقتراب والتنسيق مع حركات المعارضة وحركات الاحتجاج الجديده, فى مقابل توحد اليمين فى مواجهة تحدياته هنا وهناك
المقال مكتوب بلغة سهلة , والترجمة رغم هناتها لكنى اعتقد ان لابأس بها فى توضيح المقصود , والاستفادة من بعض الافكار الوارده رغم تعلقها بقضايا محلية قد لايعرف القارىء العربى الكتير عنها , الا انها ملهمة للحركيين فى منظمات اليسار الجديد كما اعتقد ,يمكن ايضا العودة الى المصدر لاكمال المقال بلغته الاصلية



هناhttp://socialistworker.org/2011/03/31/why-do-we-need-socialist-organization
يقول آلان ماس :-
تنطوى مشاركتنا فى العديد من الحركات السياسية على معرفة بمدى ارتباط قضايا التعصب والنضال من اجل الديمقراطية ببعضها , وذلك بدلا من ان نظل مرتبطين بقضية واحدة
ونعتقد انه من الضرورى ليس فقط التخطيط للاحتجات العمالية حول القضايا الملحة , ولكن ايضا لنعلم انفسنا حول تاريخ الحركة العمالية ونضالاتها , وللتعرف على كيف يبدو مستقبل المجتمع الاشتراكى

ليس خافيا على الجميع حقيقة انه عندما يتبجح الجناح اليمينى حول بعض الحقائق يتحول هذا الى مصدر للغضب لدى الجماهير ,يتمثل فى الاحتجاجات ضد حروب اسرائيل على الفلسطينين, وحق المرأة فى اجراء عملية اجهاض , والوقوف ضد اجراء تخفيضات فى الموازنة الخ
نعتقد انه من الضرورى ان يمارس اليساريون والناشطون مثل هذه الانشطة (الاحتجاجية )وتقديمها الى الناس بطرق مختلفة, سيما وان المكتوب حول استقلالية الحركات الاحتجاجية قليل, وان هناك اتهامات تواجه هذا النوع من التفكير, فالاشتراكيون لايهتمون كثيرا بالانشطة الاحتجاجية التى نمارسها, ولكنهم موجودون لتجنيد الناس وابعادهم عن هذه الانشطة

انه من المحبط ان نسمع هذا النوع الغريب من السخرية حول لماذا نحن ملتزمون بالاشتراكية (اعتقد هنا انه يتحدث عن حوارات قائمة بين التنظيمات), ذلك ان العلاقات السياسية فى العالم الحقيقى لم تعرف ابدا هذا الشكل من اشكال الانقسامات

وأعداءنا بالتأكيد لايخوضون تحدياتهم ولا يطرحون اسئلة مختلفة ثم يصارعون من اجلها بشكل منفصل, ولو انك استمعت الى الهراء الذى يقال فى حفلات الشاى , او لو انك نظرت فى جدول اعمال اليمينين الجمهورين لاكتشفت انهم فى الحقيقة لايهتمون بقضايا تجاوزات الحكم فى قضايا بغاية الاهمية

حفلات الشاى اليمينية هذه تحمل بسعادة بالغة كثير من الافتراءات العنصرية حول باراك اوباما, فهم يرغبون فى حرمانه من حقة فى مفاوضة النقابات,وبناء جدار على الحدود لمنع دخول المهاجرين, ويعتقدون ان جميع العرب والمسلمين هم ارهابيون محتملون, وان مكان المرأة هو البيت, وان الحركة النسوية هى جريمة ضد الطبيعة, وان الكنيسة والدولة والازواج , والكل تقريبا ماعدا النساء يجب ان يحدد دور المرأة وحياتها الانجابية, انهم يكرهون المثليين تماما كما يكرهون ادارة الدولة للرعاية الصحية

عموما هم لاينظرون الى المسائل السياسية بشكل منفرد, ولكن فى اطار علاقتها بجدول اعملهم الواسع, بينما يصبح على الجانب الآخر كل من لايقارب السياسة على اساس نفس الموقف هو الاضعف لانهم ببساطة يفتحون الابواب امام اختلاف الناس والوقوف ضد بعضم بعضا

وعلى سبيل المثال , عندما هاجم حاكم ولاية ويسكونسن النقابات والاتحادات استثنى رجال الاطفاء والشرطة من هجومه على امل ان يتلقى دعمهم لاحقا , ولكن رجال الاطفاء ادركوا ان الهجوم على النقابات هو هجوم عليهم ايضا , وقد تحولوا الى موقع القلب فى حركة الاحتجاج الجماهيرى العام
ان الهبة او الانتفاضة الشعبية فى ويسكنسن اثبتت كيف يمكن ان يتحد الناس بشكل غريزى فى نضال مشترك,سواء فى القطاع العام او النقابات فى القطاع الخاص وطلاب الجامعات, نضال ضد التخفيضات الممنهجة فى الميزانيات او فى الدفاع عن حقوق الفقراء, او اعتداءات الدولة على مكتسبات الرعاية الصحية

Saturday, April 7, 2012

مصباح ديوجين1




حمل ديوجين1 مصباحه وراح يطوف انحاء اثينا لاعنا سنسفيل ام الحكومة , كان منذ ان بلغ السبعين قد تفرغ تماما لتحويل احباطه المزمن  الى لعنات كلما ارسل بعضها الى العالم شعر ان ثقله يخف قليلاعلى كتفيه

 ثم اضاءت  فجأة فى راسه فكره رهيبة كادت ان تفجر رأسه الاصلع  من هولها, فى تلك اللحظة وهو يمر قرب السوق وجد نفسه يصيح كمجنون

الشعب يريد اسقاط النظام, الشعب يريد اس...

وكما لو ان اهل السوق قد حطت على رؤسهم الطير ,  وقفوا يحدقون  ببلاهة فى هذا الرجل المجنون الذى يريد اسقاط ألنظام , و يتساءلون فى انفسهم ان كان ديوجين المجنون قد انضم الى حركة قرقنا  ام انه تابع لاحدى  المنظمات الوطنية التى لاتكف عن التناسل فى كل يوم؟

وبينما الشرطة تقترب  والكلابيش تجهز مفاتيحها للانقضاض على  رسغيه النحيلين كان افلاطون ينزل من سيارته الفارهة  وهو يأمر ضابط النظام العام فى حزم

دعوه!

امازلت  تمارس هذا الجنون؟ اى ديوجين الحكيم , لماذا تكره النظام الذى يوفر الامن لامتنا العظيمة, الم تكن من أنصار أصلاح النظام, صدقنى  لا فائدة  من الحكمة  والثورة  أن كانت ستودى الى الفوضى

اصلاح النظام؟ لماذا تصب الانهار فى البحار فلاتمتلىء البحار ولا الانهار تفرغ؟ لماذا لايستطيع العطار ان يصلح ماأفاسده الدهر؟ لماذا تجرد الناس من الفضيلة وتضفيها على المدن المتوهمة؟ لماذا؟......

فى تلك اللحظة شعر ديوجين بحالة من الغثيان الرهيب, فتقيأ  شيئا مرا   جدا , لملم افلاطون ثوبه مخافة ان يتلطخ , ولكن ديوجين كان قد لاحظ ان رزازا خفيفا  قد اصابه

 المدينة الفاضلة  ليست وهما , ولكن يبدو انك مريض؟ النظام مستعد لارسالك للعلاج فى لندن, قال افلاطون بتأفف

 فاجاب ديوجين :- سيسجل التاريخ انك  من اصاب الدنيا بالمرض  , الحكمة مرة يا أفلاطون  تماما مثل طعم القيء الذى لطخت به ثوبك, الحكمة ان  تبحث عن الفضيلة من اجل الناس ,  لماذا تؤنسن  المدن و الاشياء  وتضفى عليها صفات البشر المحرومين من ما تضفيه عليها من صفات ! ,الحرية والعدالة  اهم من الطعام , فى عالم طبيعى يصبح ظفر انسان بسيط برقبة الاسكندر, العظمة فى الفن الذى ينتجه الناس لا الذى تقدمه وزارة الثقافة ؟ستغنى الوزارة دائما للزعيم  و الصدق ليس   ماتهرف به قناة الجزيره وولاوزارات الاعلام ؟  سيقولون مايمليه عليهم امثالك ,اى افلاطون  كن عدوا لمشروعهم    ,  تكن صديقا للناس, كن صديقى  علشان احبك

لو انك تقود الناس الى النظام  لكرمتك الدولة ولاصبحت ثريا  لكنك تقودها الى الحريق , قال افلاطون

لو انك قدت الناس الى انفسهم لما اضطررت الى تملق النظام, لكنك تقودهم الى حيث نميرى وبن على  وبينوشيه  والحبل على الجرار كما سيقول فيصل القاسم لاحقا

 شعر افلاطون بالغباء  اذا لم يكن قد سمع بهؤلاء الذين تحدث عنهم ديوجين , فركب  سيارته وانطلق دون ان يقول شيئا, وعندما انصرف ديوجين  اقترب منه   بعض الشباب  , وكان فى يد كل منهم مصباحا يشبه مصباحه تماما
__________

1/ديوجين هو ديوجينيس الكلبي فيلسوف إغريقي. 412 ق.م- 323 ق.م , عاصر افلاطون , وكانت بينهما نوع من الصداقة اللدودة ,هو تلميذ لأنتيسِتنيس . الذي كان تلميذا لسقراط. كان ديوجين شحاذاً يقطن شوارع أثينة. جعل من الفقر المدقع فضيلة. ويقال أنه عاش في برميل كبير. وأنه مشى يحمل مصباحاً في النهار. يبحث عن رجل فاضل او شريف وآمن بأن الفضيلة تظهر في الأفعال وليس النظريات. حياته كانت حملة بلا هوادة لهدم قيم المجتمع ومؤسساته التي كان يظنّها فاسدة.





Sunday, April 1, 2012

تعليقات حول الحالة السودانية


فى حوار مع صديق حول الاوضاع فى السودان فاجئنى بأن قال لى ( ملعون ابوها بلد فاشلة) ثم صمت قليلا وقال لى (انا مثل جاهين بحبها وبلعن ابوها بعشق ذى الدا) يا أخى العالم كله ضدنا
والحق اقول لكم , ان العالم لايستهدف احدا, لكنه فقط يستثمر فى ما نتسبب به لانفسنا من ازمات
وحالة الفشل السودانى الحالى لها علاقة وطيده بالتاريخ, ازمة الجنوب التى بدأت قبل الاستقلال بقليل فى 1955 كانت لها اسباب موضوعية معروفة, و ظلت مشروعا مفتوحا للعنف بين الشمال والجنوب حتى عقد الراحل المخلوع نميرى اتفاقية اديس ابابا مع الفصائل المتمرده والتى اعطى الجنوب بموجبها حكما ذاتيا , وبدا ان الجميع سيتجه تلقاء التنمية والتحديث, ولكن سرعان مااندلعت الحرب مره اخرى اثر تراجع نميرى ونقضه لعهد السلام بتنفيذ فكره شيطانيه لا احد يعرف اسبابها حتى الان وتدخله فى الجنوب بتقسيمه الى اقاليم وفقا لسلطات دستورية اقل مما تم الاتفاق عليه فى اديس ابابا التى حقنت دما السودانيين لعشر سنوات كاملة من 1972- وحتى 1982,
ثم جاءت بعد ذلك نكبة قوانين سيتمبر, شبه الاسلاميةوالتى اعلن النميرى بموجبها تطبيق الشريعة الاسلامية فى السودان, واندلاع حرب الجنوب مرة اخرى , ثم انتفاضة شعبية كبرى اطاحت بالنميرى الى مزبلة التاريخ, لينشغل السودانيين بقوانين سبتمبر وما اذا كانت ستلغى ام سيتم استبدالها, فى اطار سؤال يشبه ايهما اولا البيضة ام الدجاجة, ظلت قوانين سيتمبر هى مسمار جحا فى السياسة السودانية ولم يجروء احد على التبرع بالغاءها وحتى هذه اللحظة ظل القانون الجنائى السودانى يدين بوجوده الى هذه القوانين سيئة الذكر والسيره فى كل النسخ التى تم اصدارها بعده
ومن الطرائف ان كاتب هذا المقال تسلم فى اواخر التسعينات قضية مرفوعة على الحكومة منذ ايام اعلان قوانين سبتمبر تقوم على مطالبة بعض المسيحين بالتعويض عن الخمور التى قام نميرى باهراقها فى ماء النيل تنفيذا لشرع الله!!!, ورغم ثبات فكره ان الخمر هو مال متقوم لغير المسلم يلزم من اتلفه الضمان فى الفقه الا ان هذه القضية مازالت كما علمت ترزح تحت نير التأجيل لعلها تجد يوما قاضيا منصفا
استكمل السودان انهياره بجرح الانفصال, لكن الانهيار بدأ باشتعال اوار النزعات الجهوية والعنصرية فى مجتمع متعدد الثقافات والاديان والاعراق واللغات , مجتمع لم يتشكل بعد لم يستكمل دورته الطبيعية فى التحول الى امة ثرية بمكوناتها وثرواتها الثقافية والمادية المهولة, يحدثنا التاريخ كيف ساهم بروز هذه النزعة فى التعجيل بانهيار الدولة المهدية فى اواخر القرن الثامن عشر بعد ان تمكنت من طرد الاستعمار المصرى الانجليزى , لقد استكثر السياسيون علينا حتى مسالة ان نكون الدولة الاكبر افريقيا بمليون ميل مربع احببنا كل سنتمتر منها , ورأينا كيف اندلعت الحروب بين الزرقة والعرب فى دارفور, وكيف دفع الاسلاميون دفعا غريبا باتجاه الطلاق بين الجنوب والشمال,
لم تحسم اتفاقية نيفاشا وضع القوات ولم تسع الانقاذ الى دمجها فى القوات المسلحة, ورغم ان هذا كان احد اسباب انهيار اتفاقية ادبس ابابا لكن مشكلة اهل هذا البلد انهم فاشلون جدا فى قدرتهم على قراءة التاريخ واستلهام عبرته, ومتفوقون جدا فى العودة اليه والبقاء فيه فى حركة نكوص ابدى لاتكف عن التراجع والوقوف إلا على اعتابه,
انتشر الفساد فى البر والبحر, واصبحنا واحدة من اكثر الدول فشلا وفقا لمنظمة الشفافية الدولية, تتفوق بكل فخر على افغانستان والصومال وها شابه ذلك بدولة او اثنتين
عندما تفاءلنا خيرا بان الربيع العربى قد يغشى السودان, سيما واننا شعب عاشق للحرية , بل والشعب الاول الذى يطيح بدكتاتوريتين عسكريتين فى تاريخ الدنيا, فوجئنا بالرئيس السودانى وأعوانه يسخرون ويتحدون فى ظل الصمت المريب الذى يكاد يقول خذونى من قبل المعارضة
يبدو انه لامناص من العودة الى نظرية المؤامرة, مؤامرة الحكومة والاحزاب على حرية الشعب السودانى, مشروع الانقاذ العروبى الملطخ بالدم وجد ان احزابنا يمكنها ان تتعايش معه,
فابستثناء حركات المقاومة غير الموقعة على اتفاقية ابوجا يقف السودانيون وحدهم بين سندان الحكومة ومحترفى الكلام فى الاحزاب التى لم يعد يسمعها احد ,ولايضفى بقاءها فى المشهد السياسى الا مزيد من الشرعية لحكومة امعنت فى قتل شعبها , وغيرت ملامحه الطبقية والثقافية والفكرية بشكل جذرى من خلال مشروعها العروبى الاسلاموى الكافر
ولنأخذ حزب الامة مثلا, وهو حزب يمينى يضم مجموعة من المثقفين وعلى راسهم زعيمه هم للانصاف موضع احترام من غالبية الشعب بغض النظر عن تركيبته الطائفية الرسمالية شبه الاقطاعية, الا ان الامل قد انقطع عنه سيما يعد مشاركة ابن زعيمه فى السلطة كمستشار ضمن جوقة من المستشارين فى الموؤسسة الرئاسية
الحزب الاتحادى الاصل والذى يحمل ذات التركيبة البنيوية لحزب الامة يشارك ابن زعيمه ايضا كمستشار لرئيس الدولة او ماتبقى منها
الحزب الشيوعى الذى تمنينا ان يكون اداءه اكثر ثورية اصبح منذ ىفتره مثل الاخرين , يريد ان يعمل تحت مظلة النظام ويدعو الى مؤتمر دستورى , و يؤكد طوال الوقت منذ عودته بعد اتفاقية القاهرة المعيبة والتى رعتها مخابرات المخلوع مبارك على مسالة الديمقراطية وتغيير النظام عبر الطرق السلمية
والحكومة تزاد وحشية فى كل يومات مكتظة , والافواه مكممة , والصحف تتم مصادرتها , وشباب السودان وحدهم, يسحلون فى السجون والمعتقلات فى كل يوم, فقط لان الاحزاب تحولت الى شاهد زور على الحرية والديمقراطية السليبتين,وعلى ضياع الوطن ودماء الشعب
والامريكان المشغولون جدا بأمن اسرائيل , ميسوطون جدا من ربيع الاخوان المسلمين فى المنطقة, يبدو انهم ادركوا ان الاخوان زرائعيون جدا ومطيعون ايضا, وانهم كسنة سيصبحون داعما تقليديا لاعداء ايران الشيعية التى قد تضرب قريبا, ولذلك هم يشاركون الشيوعيين رؤيتهم لضرورة تغيير النظام وتحويله باتجاه الديمقراطية بدلا عن الاطاحة به لصالح قوى وطنية قد تشكل نشازا فى سيمفونية الاخوان التى تعزف الان موسيقى الديمقراطية المؤمنة من تونس الى طرابلس الى القاهرة الى الخرطوم , وقريبا فى سوريا , ولا اعرف ما الذى يحدث الآن فى اليمن, وهو مشروع مدعوم بشكل مريب من مؤسسة الوسطية الكويتية ألحكومية ولا داع طبعا للتذكير بدور قطر فى هذه المسألة
ولأن الامريكان هم المخرجين كما تحدث احد الزعماء السودانيين قبل زمان, فأن احزابنا العظيمة تجلس الآن كأى ممثل فاشل بانتظار المخرج الذى سيوزع الادوار
اما مايريده الشعب فمعقول ومنطقى ,
الشعب السودانى يريد الحرية والديمقراطية لأن، هذا حق اصيل من حقوق البشر,الشعب يريد ايقاف الحرب فى جبال النوبة والنيل الازرق, عودة النازحين , والاستجابة لمطالب المزارعين ومتضررى السدود ,الشعب يريد محاسبة المفسدين من قتلته و سارقى مقدراته, الشعب يريد دولة مدنية , الشعب يريد ان يخرج من عباءة الثقافة والانتماء القسرى للدول العربية فى اطار دولة تحترم هويته الافريقية بمثل ماتحترم وجود الثقافة العربية التى كانت سييا فى اغلب مأسى هذا البلد المنكوب, الشعب السودانى يريد عودة نصفه الجنوبى الافريقى المقطوع عبر وحدة طوعية على اسس جديده قديمة نبدأها بعلاقات سلمية , علاقات تهدف الى مصلحة الشعبين فى اطار من الندية والاحترام المشترك
هذا والا فان الشعب سيرغب بقوه فى اسقاط النظام