Sunday, September 23, 2012

عرفان

 

 
 " الحياة ليست ما يعيشه أحدنا . وإنما هي ما يتذكره . وكيف يتذكره ليرويه .. "

جابرييل جارسيا ماركيز

فى ذكرى السيدة نعمات  (رحمها الله)

_______________________

غريب أنا , ونافر,  كغزال برى , وكنت العازب الوحيد فى هذه العمارة

 هم يراقبونني عن قرب  , يتوقعون   ان أحضر من لايرغبون   لاطفالهم برؤيته, لكن هذا كان فى البداية فقط, ,  ثم اقتربوا منى, و اصبحت بينهم   كشيء بدهي ,   دخلت  بيوتهم ,كنت  الساكن المفضل  لاغلبهم

نعمات كانت تحبني , طلبت منى ان   اساعد بناتها  فى الانجليزية   ففعلت ,  لكن  ابنها  كان يكرهني!,  لم اعرف ابدا لماذا , ربما  هى الغيره ؟ حمق المراهقة ؟ او لكوني غريبا بالنسبة له؟,  حين كانت تبعثه لى بطعام كان يقدمه لى وكأنه سيطعم كلبا,  , وكنت اتجاوز عن سخفه اكراما لها  ,  كنت اجدها  دائما بانتطارى  اما م البيت  كلما تأخرت قليلا

- لماذا تأخرت!

-انشغلت  قليلا, هل هناك شيء  !

-اردت ان ادعوك لتناول  القهوة  معي

وادخل لآخذ ألفنجان نثرثر قليلا, استمتع بحكاياها كثيرا,  وتسألني عن اهلي  , و يدخل ابنها علينا  ويحدجنى بنظرات غريبة

وبينما اصعد الى شقتى. ,اسمع صوته:-

 هذا الولد  الغريب  ماذا يريد منا؟  كيف تدخلينه عندنا ؟

-   ....... ....., حتى انت قد تحبه ان عرفته, من اين اتتك هذه القسو....؟

لم اكن مشغولا بابنها,فهو فى النهاية ولد صغير,   لكنى تحسست مرة حريتى , وربت عليها بارتياب , حين تأخرت مرة   فقلقت, وجدتها بانتطارى فى مدخل شقتها, سلمت عليها ولمحت بنتيها بالداخل  مع بعض اقاربهم

- لقد قلقت عليك, يبدو ان عليك ان تخبرني ان كنت ستتأخر

- والله  ظروف الشغل, خير؟ قلت بضيق

- اريدك ان تصحبنى( وهنا ء )الى مشوار مهم  غدا انت تعرف ان اخاها لايحب الخروج معنا

يوم الجمعة؟ باذن الله

عندما اغلقت الباب , سمعت  صوت هناء تصيح مهللة من الفرح, وصوت اخيها ينهرها!

ارسلت لي ابنها منتصف النهار, ايقطني حتى لا تفوتني صلاة الجمعة , وأصر على ان اتغدى معهم, كنت اعرف انه كان مجبرا لابطل. 

بعد الغداء  قالت لي:

(اريد ان  اقرأ لك الفنجان,تماما مثل تلك  الاغنية لعبد الحليم )

ثم دندنت :- -جلست والخوف بعينيها , ترلااا

ضحكت لطريقتها اللطيفة فى  تقليد عبد الحليم  ,و انتقلت اليها عدوى  الضحك, كنا على وشك ان نغرق فى تلك اللحظة  , ولكن  ابنها  كان يقف خلفها, صامتا يحدثنى بعينيه,  ( كيف تجروء) !

لم اكن مرتبكا, و لم اجد ما اتخلص  به الا ان اقول ان قراءة الفنجان حرام, لكنها  أخبرتني

ان ثمة اشياء فى هذا العالم  لايعرفها كثير من الناس,

لم افهم المعني تماما , ولكنها اردفت  قائلة :-  شىء ما  اراه فيك! ما رايك ان اكشف عليك؟

-لا داع لهذا يا امي! قال ابنها بصورة موحية  وكان مبتسما!

لاشأن لك بهذا  قالت لابنها فانصرف!

ثم التفتت لي مرة اخرى وقالت:-

 احضر لى احد اقمصتك, وسترى!

حين عدت كان اخوها الشيخ احمد يجلس معها هادئا ومهيبا , نظر لى الشيخ  ثم سالني بشكل غريب

-اخبرتنى ( نعمات ) عن الزائر الذى كان معك بالامس , اطمئن  لن يعود مرة اخرى

تذكرت حلم الامس , حين استيقظت فوجدت من يشاطرني سريرى , كنت اشبه ما اكون بالمشلول, لكني بدأت اقرأ حتي تحررت , وهجمت على هذا( الشىء) الذى كان معى فخنقته  وانا مستمر بالقراءة حتي تسرب من بين يدى, ولكني, كنت مستغربا , كيف عرفت هذه السيدة بهذا!!

قالت لى  (نعمات ) لاحقا:- (الذين استأجروا  الشقة قبلك , كانوا طلبة فى كلية طب, ربما  نجسوا الشقة بجثة  أدخلوها من وراء ظهورنا !)

 ثم اخذت  قميصى وبدأت تهمهم  عليه ما  لم اسمعه, فجأة تحرك القميص  فى يدها بشكل ارعبنى تمام

سلمتنى القميص الذى لم البسه  بعدها ابدا  , واشارت الى الشيخ (احمد) ان نعم!

قال لى الشيخ احمد مباشرة :- نحن عائلة نتناقل الاسرار ابا عن جد,   نعتبرك  منا الآن, ولذلك  سأعطيك سر( البرهتية) انها اسماء الله باللغة  السريانية,  قد اذنت لك باستخدامها, ثم علمني الطريقة وانصرف

يومها قررت ان اغادر المكان, لكنى شعرت بان حبي لام هناء كان  اكبر من خوفى منها,  فابتهجت بالقلق, وتناسيت بالانشغال , فكرت فى هذه ( البرهتية )كثيرا, كانت (نعمات ) كلما لقيتنى  تسألنى عنها, وكانت تعرف اننى لن استخدمها ابدا

-(لو اردت ان تعرف ستجرب, ومن ذاق عرف)

لماذا  انا ! سالتها مرة

(لاني اعرف انك مؤهل لحمل السر)

لم استرح لفكرة الاقتراب من الله  بطريقة  نعمات ,  ولكني كنت اختبر  شيئا جديدا فى داخلي ,, ذلك النوع من  القلق بأن ثمة مايخترق صدفتك, لكنه لا يحطمها,  وكأنك تضبط مشاعرك متورطة بالانتماء, ذلك الخوف الذى يختبئ وراء المعاذير  لم يكن حاضرا ,حين تكتشف انك لم تعد معحبا جدا بنفور  الغزلان البرية ,كنت فقط   ألقى بالاقنعة , وأتأمل الحياة وهى تترنح  امامي , كأن المنفعة خرجت ولم تعد  , وكأن التاريخ  يصحح مساره   بداخلك , كنت اكتشف اني  قد عرفت  !

***

قالت لى مره:-يبدو انه قد آن الاوان يا ولدى,ساشتاق لك كثيرا, كنت اتمنى ان اجد لك بنت الحلال التى تناسبك, لكن.................

ماذا هناك ياحاجة؟ لقد بدأت اقلق, قلت بسرعة

 لا تقلق سنذهب الي بلدتنا  هذا الاسبوع ,  هل تحب ان تأتي معنا ؟  ستعجبك كثيرا

لم اذهب معهم  ولكنى افتقدتهم  كثيرا ,   ازعاج هناء  وأختها   الصغيرة تعبى معهما فى  جداول الضرب  ومسائل القسمة ألبسيطة حتى الابن  الغبى كنت اشعر اني افتقده!

كنت  كلما افتقدت  امهم اتذكر امى   , كنت اعرف انها   منغمسة فى التعب مثلها , مثقل قلبها  بالقلق على العالم  مثلها ,    تمضغ احتقارها لعالم مملوء  بالزيف والتوتر ,  تماما مثل امي 

ثم سقطت فجأة كدلقان قديم   ,  ,واستقرت روحها الطيبة خالدة فى الازل

 فى ذلك المساء الكئيب,  جلست منفطر القلب  كيتيم , يلفنى الحزن كقرطاس  , نظرات المعزين تحاصرني  كمصيدة , اقترب مني ابنها  وربت على كتفي,  كانت وكأنها حاضرة فى عينيه, , بكينا كتائهين فى مكان مهجور, كنا نذرف  الدموع  كطفلين ولكنى شعرت مع كل دمعة اننا كنا نكبر

 

 

 

 

 

 

 

 

2 comments:

  1. كتابة جميلة لكن انتبه للاخطاء اللغوية, راجع قبل ان تنشر

    ReplyDelete
  2. المعلق المجهول
    تحياتي
    شكرا لهذا التنبيه , اعتذر عن الاخطاء وقد اصلحتها
    لك التقدير

    ReplyDelete